للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كلاب، وفي لغة لهم تُكْسَر الحاء؛ إتباعًا لكسرة الراء، ثم سُمِّيت القرابة، والوُصْلة من جهة الولاء رَحِمًا، فَالرَّحِمُ: خلاف الأجنبيّ، والرَّحِمُ: أنثى في المعنيَيْن، وقيل: مذكّر، وهو الأكثر في القرابة. انتهى (١).

(مُعَلَّقَةٌ) اسم مفعول من التعليق، (بِالْعَرْش، تَقُولُ: مَنْ وَصَلَني) بالإحسان إليّ (وَصَلَهُ اللهُ) بِصِلته العظيمة التي لا يقدر قدرها، ولا منتهى لغايتها، (وَمَنْ قَطَعَنِي) بالإساءة إليّ (قَطَعَهُ اللهُ) جزاءً عمله جزاءً وفاقًا؛ لأنَّ الجزاء من جنس العمل.

وقال ابن أبي جمرة: الوصل من الله: كناية عن عظيم إحسانه، وإنما خاطب الناس بما يفهمون، ولمّا كان أعظم ما يعطيه المحبوب لمحبه الوصال، وهو القرب منه، وإسعافه بما يريد، ومساعدته على ما يرضيه، وكانت حقيقة ذلك مستحيلة في حق الله تعالى، عُرِف أن ذلك كناية عن عظيم إحسانه لعبده، قال: وكذا القول في القطع، هو كناية عن حرمان الإحسان. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا التأويل الذي ذكره ابن أبي جمرة مخالف لِمَا سبق له من التحقيق، وقد تعقّبه بعض المحقّقين فيما قاله هنا، فقال: قوله: الوصل كناية عن عظيم إحسانه … إلخ هذا كلام متناقض، فقد أثبت أن الوصل كناية عن الإحسان، ونفى أن يكون منه قُرْب الله من عبده، وإسعافه بما يريد، ومساعدته على ما يُرضيه، وزعم أن ذلك مستحيل في حقّ الله تعالى، وهذه الأنواع من أعظم أنواع الإحسان التي يُكْرِم الله بها أولياءه، كما في حديث الوليّ، يقول الله تعالى: "ولا يزال عبدي يتقرّب إليَّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصر به، ويده التي يَبْطش بها، ورِجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه. . ." الحديث، رواه البخاريّ.

وقال أيضًا: الوصل من الله - عَزَّ وَجَلَّ - لمن يصل رحمه يدلُّ على أنَّ الجزاء من جنس العمل، وهذه سنّة الله - عَزَّ وَجَلَّ - في جزائه ثوابًا وعقابًا، والوصل من الله تعالى يكون بما شاء - مما يدخل في معنى الوصل اللائق به -، وكلّها تدخل في الإحسان، وهو - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يُحسن إلى المحسنين بمحبّته، وتقريبه، وبأنواع المنافع،


(١) "المصباح المنير" ١/ ٢٢٣.
(٢) "بهجة النفوس" ٤/ ١٤٦.