للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

و"إن" شرطيّة، وجوابها "فكأنما … إلخ"؛ أي: والله لئن كنت (كَمَا قُلْتَ)؛ أي: كما ذكرت من أنك تَصِلُهم، ويقطعونك … إلى آخره (فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ) بضم التاء وكسر السين وتشديد الفاء، (الْمَلَّ) بفتح الميم الرماد الحار، وقال ابن الأثير رحمه الله: الْمَلّ، والمَلّة: الرماد الحارّ الذي يُحَمَّى ليُدفَنَ فيه الخبز؛ لينضج، أراد: إنما تجعل الملّة لهم سفوفًا يستفّونه؛ يعني: أن عطاءك إياهم حرام عليهم، ونار في بطونهم. انتهى (١).

وقال في "المشارق": قوله: "كأنما تسفهم الملّ": بضم التاء، وكسر السين: أي: تسقيهم التراب، أو الرماد الحارّ، وقيل: هو الجمر، وقيل: التراب المحميّ، قال: كذا روايتنا فيه عن شيوخنا في "صحيح مسلم"، ورواه بعضهم: "كأنما تَسفيهم الملّ"، بفتح التاء، وسكون السين: أي: ترمي التراب، والرماد المحميّ في وجههم، وعند بعض الرواة: "تسقيهم الماء"، وهو تصحيف، وخطأ قبيح. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ رحمه الله: الرواية: بضم تاء "تُسفّهم"، وكسر السين، وضمّ الفاء: أي: تجعلهم يَسُفّونه من السّفّ، وهو شُرْب كل دواء يؤخذ غير ملتوت، تقول: سففت الدواء وغيره مما يؤخذ غير معجون، وأسففته غيري؛ أي: جعلته يَسفّه، والملّ: الرماد الحارّ، يقال: أطعمنا خبز مَلَّة، ومعنى ذلك: أن إحسانك إليهم مع إساءتهم لك، يتنزل في قلوبهم منزلة النار المحرقة؛ لِمَا يجدون من ألم الخزي، والفضيحة، والعار الناشئ في قلب من قابل الإحسان بالإساءة. انتهى (٣).

(وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ)؛ أي: مُعِين، ودافِعٌ لأذاهم عنك (مَا دُمْتَ) "ما" مصدريّة ظرفيّة؛ أي: مدّة دوامك (عَلَى ذَلِكَ")؛ أي: حالك الذي ذكرته.

قال القرطبيّ رحمه الله: الظهير: المُعِين، ومعناه: أن الله تعالى يؤيّدك بالصبر


(١) "النهاية في غريب الأثر" ٤/ ٣٦١.
(٢) "مشارق الأنوار" ١/ ٣٨٠، و ٢/ ٢٢٧.
(٣) "المفهم" ٦/ ٥٢٨ - ٥٢٩.