للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لا يصح له استصغار غيره حتى ينظر إلى نفسه بعين أنه أكبر منه، وأعظم، وذلك جَهْل بنفسه، وبحال المحتقَر، فقد يكون فيه ما يقتضي عكس ما وقع للمتكبر. انتهى (١).

وقال النوويّ رحمه اللهُ: أمّا كون المسلم أخا المسلم فسَبَق شرحه قريبًا، وأمّا "لا يخذله"، فقال العلماء: الْخَذْلُ ترك الإعانة، والنصر، ومعناه: إذا استعان به في دَفْع ظالم ونحوه لزمه إعانته؛ إذا أمكنه، ولم يكن له عذر شرعيّ، "ولا يحقره" هو بالقاف، والحاء المهملة: أي: لا يحتقره، فلا يتكبر عليه، ولا يستصغره، ويستقلّه، قال القاضي: ورواه بعضهم: "لا يُخفره" بضم الياء، والخاء المعجمة، والفاء: أي: لا يغدر بعهده، ولا ينقض أمانه، قال: والصواب المعروف هو الأول، وهو الموجود في غير كتاب مسلم بغير خلاف. انتهى (٢).

وقوله: (التَّقْوَى) قال في "العمدة": حقيقة التقوى أن يَقِي العبد نفسه تعاطي ما تستحق به العقوبة، من فعل، أو ترك، وتأتي في القرآن على معان: الإيمان، نحو قوله تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح: ٢٦]؛ أي: التوحيد، والتوبة، نحو قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا} [الأعراف: ٩٦]: أي: تابوا، والطاعة، نحو: {أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} [النحل: ٢]، وتَرْك المعصية، نحو قوله تعالى: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ} [البقرة: ١٨٩]: أي: ولا تعصوه، والإخلاص، نحو قوله تعالى: {فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: ٣٢]: أي: من إخلاص القلوب.

[فإن قلت]: ما أصله؟.

[قلت]: أصله من الوقاية، وهو فَرْط الصيانة، ومنه "المتقي" اسم فاعل مِن وقاه الله، فاتقى، والتقوى، والتُّقَى واحد، والواو مُبْدَلة من الياء، والتاء مبدلة من الواو؛ إذ أصله وَقْيَا، قُلبت الياء واوًا، فصار وَقْوَى، ثم أبدلت من الواو تاء، فصار تقوى، وإنما أبدلت من الياء واوُ في نحو "تقوى"، ولم تبدل في نحو "رَيّا"؛ لأن "ريا" صفة، وإنما يُبدلون الياء في فَعْلَى إذا كان اسمًا،


(١) "المفهم" ٦/ ٥٣٦.
(٢) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٢٠ - ١٢١.