للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه" فعلوا محبوبه فأحبهم، فإن الجزاء من جنس العمل مناسب له مناسبة المعلول لعلته، ولا يتوهم أن المراد بذلك: أن يأتي العبد بعين كل حركة يحبها الله؛ فإن هذا ممتنع، وإنما المقصود أن يأتي بما يقدر عليه من الأعمال الباطنة والظاهرة؛ والباطنة يمكنه أن يأتي منها بأكثر مما يأتي به من الظاهرة، كما قال بعض السلف: "قوة المؤمن في قلبه، وضَعْفه في جسمه، وقوة المنافق في جسمه، وضعفه في قلبه" ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "المرء مع من أحب"، "وقال: إن بالمدينة لرجالًا، ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا، إلا كانوا معكم، حبسهم العذر وقال: "فهما في الأجر سواء" في حديث القادر على الإنفاق والعاجز عنه الذي قال: "لو أن لي مثل ما لفلان لعملت فيه مثل ما عمل" فإنهما لمّا استويا في عمل القلب، وكان أحدهما معذور الجسم استويا في الجزاء، كما قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مرض العبد، أو سافر كُتب له من العمل مثل ما كان يعمل، وهو صحيح مقيم") (١).

وفي رسالة شيخ الإسلام إلى نصر الدين بن المنجى (٢) قال: (ففسَّرّ ما تكلم به في هذا الحديث أنه جوع عبده ومحبوبه لقوله: "لوجدت ذلك عندي ولم يقل: لوجدتني قد أكلته، ولقوله: "لوجدتني عنده" ولم يقل: لوجدتني إياه، وذلك لأن المحب يتّفق هو ومحبوبه بحيث يرضى أحدهما بما يرضاه الآخر، ويأمر بما يأمر به، ويبغض ما يبغضه، ويكره ما يكرهه، وينهى عما ينهى عنه، وهؤلاء هم الذين يرضى الحقّ لرضاهم، ويغضب لغضبهم، والكامل المطلق في هؤلاء محمد - صلى الله عليه وسلم -. ولهذا قال تعالى فيه: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} [الفتح: ١٠]، وقال: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: ٦٢]، وقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: ٨٠]). انتهى الغرض من كلام شيخ الإسلام ابن تيميّة: في بحثه المتعلّق بحديث: "عبدي جُعتُ، فلم تُطعمني … إلخ".

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق من تحقيق شيخ الإسلام رحمه الله،


(١) "درء تعارض العقل والنقل" ٥/ ٢٣٥، ٢٣٦.
(٢) (١/ ٥).