الناس، وإن كان فاعلًا للظلم والعدل، فذلك يأثم به أيضًا، ولا يعرف الناس من يسمى ظالِمًا، ولم يقم به الفعل الذي به صار ظالِمًا، بل لا يعرفون ظالمًا إلا من قام به الفعل الذي فَعَله، وبه صار ظالمًا، وإن كان فِعْله متعلقًا بغيره، وله مفعول منفصل عنه، لكن لا يعرفون الظالم إلا بأن يكون قد قام به ذلك، فكونكم أخذتم في حدّ الظالم أنه من فعل الظلم، وعَنَيْتم بذلك مَن فَعله في غيره، فهذا تلبيس، وإفساد للشرع والعقل واللغة، كما فعلتم في مسمى المتكلم حيث قلتم: هو من فعل الكلام، ولو في غيره، وجعلتم من أحدث كلامًا منفصلًا عنه قائمًا بغيره متكلمًا، وإن لم يقم به هو كلام أصلًا، وهذا من أعظم البهتان والقرمطة والسفسطة، ولهذا ألزمهم السلف أن يكون ما أحدثه من الكلام في الجمادات، وكذلك أيضًا ما خلقه في الحيوانات، ولا يفرق حينئذ بين نَطَقَ وأنطق، وإنما قالت الجلود: أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء، ولم تقل: نطق الله بذلك، ولهذا قال من قال من السلف؛ كسليمان بن داود الهاشميّ وغيره ما معناه: أنه على هذا يكون الكلام الذي خُلق في فرعون حتى قال: أنا ربكم الأعلى؛ كالكلام الذي خُلق في الشجرة حتى قالت: إنني أنا الله لا إله إلا أنا، فإما أن يكون فرعون محقًّا، أو تكون الشجرة كفرعون، وإلى هذا المعنى ينحو الاتحادية من الجهمية، ويُنشدون:
وهذا يستوعب أنواع الكفر، ولهذا كان من الأمر البيّن للخاصة والعامة أن من قال: المتكلم لا يقوم به كلامٌ أصلًا، فإن حقيقة قوله: أنه ليس بمتكلم؛ إذ ليس المتكلم إلا هذا، ولهذا كان أَوَّلُوهم يقولون: ليس بمتكلم، ثم قالوا: هو متكلم بطريق المجاز، وذلك لِمَا استقرّ في الفِطَر أن المتكلم لا بدّ أن يقوم به كلام، وإن كان مع ذلك فاعلًا له، كما يقوم بالإنسان كلامه، وهو كاسب له، أما أن يجعل مجرد إحداث الكلام في غيره كلامًا له، فهذا هو الباطل.
وهكذا القول في الظلم، فَهَبْ أن الظالم مَن فعل الظلم، فليس هو مَن فَعَله في غيره، ولم يَقُم به فِعل أصلًا، بل لا بدّ أن يكون قد قام به فعلٌ، وإن كان متعديًا إلى غيره، فهذا جوابٌ، ثم يقال لهم: الظلم فيه نسبة وإضافة، فهو