للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي هذه النصوص بيان غَلَط طوائف: طائفة تُضَعِّف أمْر السبب المأمور به، فتعدّه نقصًا، أو قدحًا في التوحيد والتوكل، وأن تَرْكه من كمال التوكل والتوحيد، وهم في ذلك ملبوس عليهم، وقد يقترن بالغلط اتباع الهوى في إخلاد النفس إلى البطالة، ولهذا تجد عامة هذا الضرب التاركين لِمَا أُمروا به من الأسباب، يتعلقون بأسباب دون ذلك، فإما إن يُعَلِّقوا قلوبهم بالخلق رغبةً ورهبةً، وإما أن يتركوا لأجل ما تَبَتَّلُوا له من الغلوّ في التوكل واجبات، أو مستحبات، أنفع لهم من ذلك؛ كمن يصرف همّته في توكله إلى شفاء مرضه بلا دواء، أو نيل رزقه بلا سعي، فقد يحصل ذلك، لكن كان مباشرة الدواء الخفيف، والسعي اليسير، وصَرْف تلك الهمة، والتوجه في عمل صالح أنفع له، بل قد يكون أوجب عليه مِن تبتّله لهذا الأمر اليسير الذي قَدْره درهم أو نحوه.

وفوق هؤلاء من يجعل التوكل والدعاء أيضًا نقصًا، وانقطاعًا عن الخاصّة، ظنًّا أن ملاحظة ما فُرغ منه في القَدَر هو حال الخاصّة.

وقد قال في هذا الحديث: "كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم"، وقال: "فاستكسوني أكسكم"، وفي الطبرانيّ أو غيره، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليسأل أحدكم ربه حاجته كلّها، حتى شِسْع نعله، إذا انقطع، فإنه إن لم ييسره لم يتيسر"، وهذا قد يلزمه أن يجعل أيضًا استهداء الله، وعَمَله بطاعته من ذلك.

وقولهم يوجب دَفْع المأمور به مطلقًا، بل دَفْع المخلوق والمأمور، وإنما غَلِطوا من حيث ظنّوا أن سبق التقدير يمنع أن يكون بالسبب المأمور به؛ كمن يتزندق، فيترك الأعمال الواجبة بناءً على أن القَدَر قد سبق بأهل السعادة، وأهل الشقاوة، ولم يعلم أن القَدَر سَبَق بالأمور على ما هي عليه، فمن قدّره الله من أهل السعادة، كان مما قدّره الله تيسيره لعمل أهل السعادة، ومن قدّره من أهل الشقاوة، كان مما قدَّره أنه يُيسره لعمل أهل الشقاء، كما قد أجاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن هذا السؤال في حديث عليّ بن أبي طالب، وعمران بن حصين، وسراقة بن جُعشم، وغيرهم - رضي الله عنهم -.

ومنه حديث الترمذيّ: حدّثنا ابن أبي عمر، حدّثنا سفيان، عن الزهريّ، عن أبي خِزامة، عن أبيه، قال: سألت النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله، أرأيت