للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

توادّهم"، ومعناه واضح، وقد وقع في رواية: "توادّهم" بغير "في"، ويصحّ ذلك، ويكون مخفوضًا على أنه بدل اشتمال من "المؤمنين"، والتوادّ مصدر توادَد يتوادد توادُدًا، وتوادًّا إذا أَدْغَمتَ، ومقصود هذا التمثيلِ: الحضّ على ما يتعيّن من محبة المؤمن، ونصيحته، والتهمُّم بأمره. انتهى (١).

(وَتَرَاحُمِهِمْ)؛ أي: رحمة بعضهم بعضًا، (وَتَعَاطُفِهِمْ) قال ابن أبي جمرة - رحمه الله -: الذي يظهر أن التراحم، والتوادّ، والتعاطف، وإن كانت متقاربة في المعنى، لكنْ بينها فرقٌ لطيفٌ، فأما التراحم فالمراد به: أن يرحم بعضهم بعضًا بأُخُوّة الإيمان، لا بسبب شيء آخر، وأما التوادّ فالمراد به: التواصل الجالب للمحبة؛ كالتزاور، والتهادي، وأما التعاطف فالمراد به: إعانة بعضهم بعضًا، كما يعطف الثوب عليه؛ ليقوّيه. انتهى ملخّصًا (٢).

(مَثَلُ الْجَسَدِ)؛ أي: بالنسبة إلى جميع أعضائه، ووجه التشبيه فيه: التوافق في التَّعَب والراحة، (إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ)؛ أي: الجسد، (عُضْوٌ) بالرفع على الفاعليّة، ويُروى "عضوًا" بالنصب، على التمييز، كما قال القاري - رحمه الله - (٣). (تَدَاعَى لَهُ)؛ أي: لذلك العضو؛ أي: دعا بعضه بعضًا إلى المشاركة في الألم، ومنه قولهم: تداعت الحيطان؛ أي: تساقطت، أو كادت، قال الطيبيّ - رحمه الله -: ووجه التشبيه فيه: هو التوافق في المشقّة، والراحة، والنفع، والضرّ. انتهى (٤).

(سَائِرُ الْجَسَدِ)؛ أي: باقي أعضائه، (بِالسَّهَرِ) بفتحتين: عدم الرُّقاد، (وَالْحُمَّى") قال القاري - رحمه الله -؛ أي: بالحرارة، والتكسر، والضعف؛ ليتوافق الكلّ في العسر، كما كانوا في حال الصحة متوافقين في اليسر، ثم أصل التداعي أن يدعو بعضهم بعضًا؛ ليتفقوا على فعل شيء، فالمعنى أنه كما أن عند تألّم بعض أعضاء الجسد يسري ذلك إلى كله، كذلك المؤمنون كنفس واحدة، إذا أصاب واحدًا منهم مصيبة، ينبغي أن يغتمّ جميعهم، ويهتمّوا بإزالتها عنه. انتهى (٥).


(١) "المفهم" ٦/ ٥٦٥.
(٢) "بهجة النفوس" ٤/ ١٥٨.
(٣) "مرقاة المفاتيح" ٨/ ٦٨٥.
(٤) "الكاشف" عن حقائق السنن" ١٠/ ٣١٧٦.
(٥) "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" ١٤/ ٢٣٥.