والله لرجلٌ أصاب منك خيرًا: فائزٌ، أو ناجٍ، ثم نَفَت عن هذين الرجلين إصابةَ ذلك الخير بقولها:"ما أصابه هذان"، ولا يصح أن يكون ما أصابه خبرًا لـ "مَنْ" المبتدإِ؛ لخلوّه عن عائد يعود على نفس المبتدأ، وأما الضمير في "أصابه" فهو للخير، لا لـ "مَن"، فتأمله يصحّ لك ما قلناه، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (١)، وهو مفيد.
(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: ("وَمَا ذَاكِ؟ ")؛ أي: ما سبب قولك هذا؟ (قَالَتْ: قُلْتُ: لَعَنْتَهُمَا)؛ أي: الرجلين، (وَسَبَبْتَهُمَا)؛ أي: فما سبب ذلك؟ (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي؟)؛ أي: ما اشترطته عليه فيما يصدر مني من اللعن، أو نحوه، ثم بيّن تلك المشارطة بقوله:(قُلْتُ: اللَّهُمَّ)؛ أي: يا الله (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ) ذَكَره تمهيدًا لِمَعْذرته فيما يندُر عنه - صلوات الله وسلامه عليه - يعني: فيصدر مني ما يصدر من البشر، فأغضب نادرًا في بعض الأحيان بحكم البشرية، (فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ، فَاجْعَلْهُ)؛ أي: ما ذُكر مِن اللعن، أو السبّ (لَهُ)؛ أي: لمن لعنتُه، أو سببتُه، (زَكَاةً)؛ أي: طهارةً له من الذنوب، ونماء وبركة في الأعمال، والأموال، (وَأَجْرًا")؛ أي: ثوابًا ترفع به درجاته، قال القرطبيّ - رحمه الله -: ظاهر هذا أنه خافَ أن يصدر عنه - صلى الله عليه وسلم - في حال غضبه شيء من تلك الأمور، فيتعلق به حقّ مسلم، فدعا الله تعالى، ورَغِب إليه في أنه إن وقع منه شيء من ذلك لغير مستحقّ في أن لا يفعل بالمدعوّ عليه مقتضى ظاهر ذلك الدعاء، وأن يُعَوّضه من ذلك مغفرة لذنوبه، ورفعة في درجاته، فأجاب الله تعالى طَلِبَةَ نبيّه - صلى الله عليه وسلم -، ووعده بذلك، فلزم ذلك بوعده الصدق، وقولِهِ الحقّ، وعن هذا عبّر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بقوله:"شارطت ربي"، و"شرط عليّ ربي"، و"اتخذت عنده عهدًا لن يُخلفنيه" لا أن الله تعالى يُشتَرط عليه شرطٌ، ولا يجب عليه لأحد حقّ، بل ذلك كلّه بمقتضى فضْله، وكَرَمه، على حَسَب ما سبق في علمه.
[فإنْ قيل]: فكيف يجوز أن يصدر من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لَعْنٌ، أو سبّ، أو جلدٌ لغير مستحقّه، وهو معصوم من مثل ذلك في الغضب، والرضا؛ لأنَّ كل ذلك