للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المتضادتين خاصّةً، وفي رواية للإسماعيليّ: "من شر خلق الله"، وللبخاريّ، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: "يوم القيامة عند الله تعالى". (ذَا الْوَجْهَيْنِ) مجازٌ عن الجهتين، مثل المدحة، والمذمة، لا حقيقةٌ، وفسّره بقوله: (الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ) القوم (بِوَجْهٍ، وَهَؤُلَاءِ) القوم (بِوَجْهٍ") فيظهر عند كلٍّ أنه منهم، ومخالف للآخَرين، مُبغض لهم، وعند الإسماعيليّ: "الذي يأتي هؤلاء بحديث هؤلاء، وهؤلاء بحديث هؤلاء".

قال القرطبيّ: إنما كان من شرّ الناس؛ لأن حاله حال المنافقين؛ إذ هو يَتَملّق بالباطل، وبالكذب، مُدخِل للفساد بين الناس.

وقال النوويّ: لأنه يأتي كل طائفة بما يُرضيها، فيُظهر لها أنه منها، ومخالف لضدّها، فصنيعه نفاق محضٌ، وكذبٌ، وخِداعٌ، وتحيّل على الاطلاع على أسرار الطائفتين، وهي مُداهنة محرَّمة.

وقال القاضي عياض، وغيره: فأما من قصد بذلك الإصلاح المرَغَّب فيه، فيأتي لكلٍّ بكلام فيه صلاح، واعتذار لكل واحد عن الآخَر، ويَنقُل له الجميل، فمحمود، مُرَغَّب فيه.

وقال القرطبيّ: ذو الوجهين في الإصلاح محمود، وإن كان كاذبًا؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس الكاذب الذي يُصلح بين الناس، يقول خيرًا، ويَنمي خيرًا"، وبَيَّن تعبيرُه بـ "مِن" أن قوله في رواية للشيخين عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة: "إن شر الناس ذو الوجهين" محمولة على رواية "مِنْ". قاله الزرقانيّ - رحمه الله - (١).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "إن من شر الناس ذي الوجهين"؛ يعني به: الذي يدخل بين الناس بالشرّ والفساد، ويواجه كلّ طائفة بما يتوجه به عندها مما يرضيها من الشرّ، فإنْ رَفَع حديثَ أحدهما إلى الآخَر على جهة الشرّ، فهو ذو الوجهين النمّام، وأما من كان ذا وجهين في الإصلاح بين الناس، فيواجه كل طائفة بوجه خير، وقال لكل واحدة منهما من الخير خلاف ما يقول للأخرى، فهو الذي يسمى بالمصلح، وفِعله ذلك يسمَّى: الإصلاح، وإن كان


(١) "شرح الزرقانيّ" ٤/ ٥٢٩.