للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "من جَرّاء هِرّة"؛ أي: من أجل، وفيه لغتان: المدّ، والقصر، وظاهر هذا: أن الهرّ يُملك؛ لأنَّه أضاف الهرّ للمرأة باللام التي هي ظاهرة في المُلك، وقد تقدَّم الخلاف في ذلك، وفيه ما يدلّ على أن الواجب على مالك الهرّ أحد الأمرين: إما أن يطعمه، أو يتركه يأكل مِمَّا يجده من الخشاش، وهي: حشرات الأرض، وأحناشها، وقد يقال على صغار الطير، وهو بالخاء المعجمة، ويقال: بفتح الخاء، وكسرها، وحَكَى أبو عليّ القالي فيها الضمّ، فأمَّا الخشاش بالكسر لا غير: فهو الذي يُدخَل في أنف البعير من خشب، والْخَزامة من شَعْر، فأمَّا الخشاش بالفتح: فهو الماضي من الرجال، قال الجوهريّ: وقد يضمّ. انتهى (١).

وقال المناويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "من خشاش الأرض" بفتح الخاء المعجمة، أشهر مِن كسرها، وضمّها، كما في "الديباج " وغيره، وحَكَى النوويّ أنه رُوي بحاء مهملة، وغَلَّط قائله؛ أي: من حشراتها، وهوامّها، قال الزمخشريّ: الواحدة خشاشة، سُمّيت به؛ لاندساسها في التراب، من خَشَّ في الأرض: دخل فيها.

وقال الطيبيّ: وذِكر الأرض للإحاطة والشمول، مثله في آية: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ} [الأنعام: ٣٨].

وظاهر الحديث: أنها عُذِّبت بالنار حقيقةً، أو بالحساب؛ لأن من نوقش عُذِّب، كذا ذكره بعضهم، وجزم القرطبيّ بالأول، وهذه المرأة هي التي رآها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في النار، وهي امرأة طويلة، من بني إسرائيل، أو حِمْير، ويَحْتَمِل كونها كافرة، كذا ذكره جَمْعٌ، وحكاه عنهم الحافظ ابن حجر، وقال النوويّ: الذي يظهر أنها كانت مسلمة، وإنما دخلت النار بهذه المعصية، وتوبع على ذلك، وقال القرطبيّ: هل كانت كافرةً، أو مسلمة؟ كلٌّ مُحْتَمِلٌ، فإن كانت كافرة ففيه أن الكفار مخاطَبون بالفروع، ومعاقَبون على تركها، وإلا فقد تلخص أن سبب تعذيبها حبس الهرة، ففيه أن الهرّ لا يُملك، وأنه لا يجب إطعامه إلا على مَنْ حَبَسه، وكأنهم لم يَروُوا فيه شيئًا، وهو عجيبٌ، فقد ورد النصّ الصريح الصحيح بكفرها، قال علقمة: "كنا جلوسًا عند عائشة، فدخل أبو


(١) "المفهم" ٦/ ٦٠٦.