للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واستعارة حسنةٌ، كما تقول العرب: فلان شعاره الزهد، ودثاره التقوى، لا يريدون الثوب الذي هو شعار، أو دثار، بل معناه صفته كذا، قال المازريّ: ومعنى الاستعارة هنا: أن الإزار والرداء يَلْصَقان بالإنسان، ويلزمانه، وهما جمال له، قال: فضرب ذلك مَثَلًا لكون العزّ والكبرياء بالله تعالى أحقّ، وله ألزم، واقتضاهما جلاله، ومن مشهور كلام العرب: فلان واسع الرداء، وغَمْر الرداء؛ أي: واسع العطيّة. انتهى (١).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "العزّ إزاره، والكبرياء رداؤه، فمن ينازعني عذّبته" كذا جاء هذا اللفظ في كتاب مسلم مفتتحًا بخطاب الغيبة، ثم خرج إلى الحضور، وهذا على نحو قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: ٢٢] فخرج من خطاب الحضور إلى الغيبة، وهي طريقة عربية معروفة، وقد جاء هذا الحديث في غير كتاب مسلم: "الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما قصمته، ثم ألقيته في النار" (٢)، وأصل الإزار: الثوب الذي يُشدّ على الوسط، والرداء ما يُجعل على الكتفين، ولمّا كان هذان الثوبان يخصّان اللابس بحيث لا يستغني عنهما، ولا يقبلان المشاركة عبّر الله تعالى عن العزّ بالإزار، وعن الكبرياء بالرداء، على جهة الاستعارة المستعملة عند العرب، كما قال: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} [الأعراف: ٢٦]، فاستعار للتقوى لباسًا، وكما قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أسرّ سريرة ألبسه الله رداءها" (٣)، وكما قال: "البسوا قِناع المخافة، وادّرعوا لباس الخشية"، وهم يقولون: فلان شعاره الزهد والورع، ودثاره التقوى، وهو كثير، ومقصود هذه الاستعارة الحسنة: أن العز، والعظمة، والكبرياء من أوصاف الله تعالى الخاصة به التي لا تنبغي لغيره، فمن تعاطى شيئًا منها أذلّه الله تعالى، وصغّره، وحقّره، وأهلكه، كما


(١) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٧٣ - ١٧٤.
(٢) رواه أبو داود في "سننه" (٤٠٩٠).
(٣) رواه الطبرانيّ عن جندب بن سفيان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أسرّ عبدٌ سريرةٌ، إلا ألبسه الله رداءها، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشرّ"، قال الحافظ الهيثميّ: رواه الطبرانيّ في "الكبير" و"الأوسط"، وفيه: حامد بن آدم، وهو كذاب. انتهى. "مجمع الزوائد" ١٠/ ٢٢٥.