للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

باب سار، وأَرَاحَهَا بالألف كذلك، وفي الحديث: "لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ" (١) مرويّ باللغات الثلاث. انتهى.

وفي رواية البخاريّ من طريق عبد الواحد عن بريد بن عبد الله: "إما تشتريه، أو تجد ريحه"، قال في "الفتح": ورواية عبد الواحد أرجح؛ لأن الإحذاء، وهو الإعطاء لا يتعيّن، بخلاف الرائحة، فإنها لازمة، سواءٌ وُجد البيع، أو لم يوجد. انتهى (٢).

وقال المناويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: المعنى: أنك إن لم تظفر منه بحاجتك جميعها، لم تَعْدَم واحدة منها، إما الإعطاء، وإما الشراء، وإما الاقتباس للرائحة. انتهى.

(وَنَافِخُ الْكِير، إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ) بضمّ حرف المضارعة، من الإحراق؛ أي: يُحرق ثيابك بما تطاير من شرار الكير، وفي رواية البخاريّ المذكورة: "وكير الحدّاد يُحرق بيتك، أو ثوبك"، (وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً") قال المناويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: المقصود منه: النهي عن مجالسة من تؤذي مجالسته في دِين، أو دنيا، والترغيب في مجالسة من تنفع مجالسته فيهما، وفيه إيذان بطهارة المسك، وحلّ بيعه، وضَرْب المثل، والعمل في الحُكم بالأشباه والنظائر، وأنشد بعضهم [من الطويل]:

تَجَنَّبْ قَرِين السُّوءِ وَاصْرِمْ حِبَالَهُ … فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مِنْهُ مَحِيصًا فَدَارِهِ

وَلَازِمْ حَبِيبَ الصِّدْقِ وَاتْرُكْ مِرَاءَهُ … تَنَلْ مِنْهُ صَفْوَ الْوُدِّ مَا لَمْ تُمَارِهِ

وَمَنْ يَزْرَعِ الْمَعْرُوفَ مَعْ غَيْرِ أَهْلِهِ … يَجِدْهُ وَرَاءَ الْبَحْرِ أَو فِي قَرَارِهِ

وَللهِ فِي عَرْضِ السَّمَوَاتِ جَنَّةٌ … وَلَكِنَّهَا مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ (٣)

والله تعالى أعلم.


(١) أشار به إلى ما أخرجه البخاريّ في "صحيحه" عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل نفسًا معاهدًا، لم يَرَح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا".
(٢) "الفتح" ٥/ ٥٥٧، كتاب "البيوع" رقم (٢١٠١).
(٣) "فيض القدير" ٥/ ٥٠٧.