للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من الظاهر، ولو جاز مثل هذا من غير أن يثبت به النقل لجاز في مثل قوله تعالى: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ} [المؤمنون: ٣٥] الكسر؛ لأن معنى "يعدكم": يقول لكم، وقد اتفق القراء على أنها بالفتح.

وقال الزركشيّ: وردّ عليه القاضي شمس الدين الخوبيّ، وقال: الكسر واجب؛ لأنه الرواية، ووجهه على الحكاية، كقول الشاعر:

سَمِعْتُ النَّاسُ يَنْتَجِعُونَ غَيْثًا (١)

برفع "الناسُ".

وجزم النووي في "شرحه" بكونه بالكسر على الحكاية، وجوَّز الفتح، وقد جزم ابن الجوزي بأنه في الرواية بالكسر فقط. قال الخوبي: ولو لم تجئ به الرواية لَمَا امتنع جوازًا على طريق الرواية بالمعنى، وأجاب عن الآية بأن الوعدَ مضمون الجملة، وليس بخصوص لفظها، فلذلك اتفقوا على الفتح، فأما هنا فالتحديث يجوز أن يكون بلفظه وبمعناه. انتهى (٢).

(يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ) كذا في رواية أبي معاوية، ووكيع، وابن نمير هنا، وفي الرواية الآتية: "إن خلق أحدكم يُجمع في بطن أمه"، وفي رواية عند البخاريّ: "إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه"، وفي رواية عند ابن ماجه: "إنه يُجمع خلق أحدكم في بطن أمه"، وفي رواية بلفظ: "ابن آدم" بدل "أحدكم".

والمراد بالجمع: ضمّ بعضه إلى بعض بعد الانتشار، وفي قوله: "خلق" تعبير بالمصدر عن الجثّة، وحُمِل على أنه بمعنى المفعول، كقولهم: هذا درهمٌ ضَرْبُ الأميرِ؛ أي: مضروبه، أو على حذف مضاف؛ أي: ما يقوم به خَلْقُ أحدكم، أو أُطلق مبالغةً، كقوله:

وَإِنَّمَا هِيَ إَقْبَالٌ وَإِدْبَارُ (٣)


(١) البيت لذي الرّمّة، وتمامه:
سَمِعْتُ النَّاسُ يَنْتَجِعُونَ غَيْثًا … بِسَائِقَةِ الْبَيَاضِ إِلَى الْوَحِيدِ
(٢) "الفتح" ١١/ ٥٨٤ ببعض تصرّف، وزيادة من "عقود الزبرجد" للسيوطيّ ١/ ٢٢٤ - ٢٢٥.
(٣) أشار به إلى قول الشاعر:
تَرْتَعُ مَا رَتَعَتْ حَتَّى إَذَا ادَّكَرَتْ … فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارُ