للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بأن الله تعالى نور على الحقيقة دون تشبيه، ولا تأويل، ولا تعطيل، قال: بل جماهير المسلمين لا يتأولون هذا الاسم، وهذا مذهب السلفيّة، وجمهور الصفاتيّة، من أهل الكلام والفقهاء والصوفيّة وغيرهم، وهو قول أبي سعيد بن كُلّاب، ذكره في الصفات، وردّ على الجهميّة تأويل اسم النور، وهو شيخ المتكلّمين الصفاتيّة من الأشعريّة الشيخ الأول، وحكاه عنه أبو بكر بن فورك في كتاب "مقالات ابن كلاب"، والأشعريّ، ولم يذكروا تأويله إلَّا عن الجهميّة المذمومين باتّفاق، وهو أيضًا قول أبي الحسن الأشعريّ، ذكره في "الموجز"، وقد أطنب شيخ الإسلام في تقرير هذه المعاني، والردّ على المخالف بما لا تراه عند غيره (١)، فتمسّك به، فإنه الكنز المكنون، زادني الله تعالى وإياك حرصًا على اتباع الحقّ.

وقال العلامة ابن القيّم - رَحِمَهُ اللهُ -: والله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - سَمَّى نفسه نورًا، وجعل كتابه نورًا، ورسوله نورًا، ودينه نورًا، واحتجب عن خلقه بالنور، وجَعَلَ دار أوليائه نورًا يتلألأ، قال الله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣٥)} [النور: ٣٥].

وقد فسّر قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} بكونه منوّر السموات والأرض، وهادي أهل السموات والأرض، فبنوره اهتدى أهل السموات والأرض، وهذا إنما هو فعله، وإلا فالنور الذي هو من أوصافه قائم به، ومنه اشتُقّ له اسم النور الذي هو أحد الأسماء الحسني، والنور يضاف إليه - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - على أحد وجهين: إضافة صفة إلى موصوفها، وإضافة مفعول إلى فاعله، فالأول كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [الزمر: ٦٩]، فهذا إشراقها يوم القيامة بنوره تعالى إذا جاء لفصل القضاء، ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدعاء المشهور: "أعوذ بنور وجهك الكريم أن تضلني، لا إله إلا أنت" (٢)، وفي الأثر الآخر:


(١) راجع: "مجموع الفتاوى" ٦/ ٣٧٤ - ٣٩٦.
(٢) لَمْ أجد من ذكره بهذا اللفظ.