للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وذكّر الضمير للتغليب، ففيه تغليبان متعاكسان، فليُتَأَمّل. قاله السنديّ -رحمه الله-.

وفي رواية البخاريّ: "فإذا رأيتِ" بتاء المخاطب، والخطاب لكل من يتأتّى له الخطاب، ولذا أتى بضمير الجمع في قوله: "فاحذروهم"، ويَحْتَمِل أن يكون بتاء المخاطبة، والخطاب لعائشة - رضي الله عنها -، ويكون قوله: "فاحذروهم" على أسلوب قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} الآية [الطلاق: ١]؛ لأنها أم المؤمنين؛ بيانًا لشرفها، وغزارة علمها، كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم: يا فلان افعلوا كيت وكيت؛ إظهارًا لتقدّمه، واعتبارًا لترؤسه. قاله الطيبيّ (١).

(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ)؛ أي: من الكتاب، (فَأُولَئِكَ) يَحْتَمِل أن يكون بفتح الكاف خطابًا لكلّ من يتأتى الخطاب، أو بكسرها خطابًا لعائشة - رضي الله عنها -، وفي رواية ابن ماجه: "إذا رأيتم الذين يجادلون فيه، فهم الذين عناهم الله". (الَّذِينَ سَمَّى اللهُ) وفي نسخة: "سمّاهم الله"؛ أي: في قوله -عز وجل -: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ}، (فَاحْذَرُوهُمْ")؛ أي: لا تجالسوهم، ولا تكالموهم أيها المسلمون، فإنهم أهل البدعة، فيحقّ لهم الإهانة. وقيل: أمْر بالحذر منهم احترازًا عن الوقوع في عقيدتهم، فالمقصود: التحذير من الإصغاء إليهم.

وقال في "الفتح": قوله: "فاحذروهم": في رواية الكشميهني: "فاحذرهم" بالإفراد، والأولى أَولى، والمراد: التحذير من الإصغاء إلى الذين يتبعون المتشابه من القرآن، وأول ما ظهر ذلك من اليهود - كما ذكره ابن إسحاق - في تأويلهم الحروف المقطعة، وأنّ عَدَدَها بالْجُمَّل مقدار مدّة هذه الأمة، ثم أول ما ظهر في الإسلام من الخوارج، حتى جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه فسّر بهم الآية، وقصة عمر في إنكاره على صَبِيغ (٢) لَمّا بلغة أنه يتّبع المتشابه، فضربه على رأسه حتى أدماه. أخرجها الدارميّ وغيره.


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٢/ ٦١٩.
(٢) "صَبيغ" بوزن أمير، كما ضبطه في "القاموس"، وهو ابن عِسْل بكسر العين، وسكون السين المهملتين، كان يُعنّتُ الناس بالغوامض والسؤالات، منْ مُتَشَابهِ القُرْآن، فنفاه عمر - رضي الله عنه - إلى البصرة بَعْدَ ضَرْبِه، وكتبَ إلى والِيها ألا يُؤوِيهُ تأدِيبًا، ونَهى عنْ مُجَالَسَتِه. انتهى. "تاج العروس" ص ٥٦٧٧.