للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) وقوله: (يُعْرَفُ) بالبناء للمجهول جملة حاليّة من "رسول الله"، (فِي وَجْهِهِ) متعلّق بـ "يُعرف"، وقوله: (الْغَضَبُ) مرفوع على أنه نائب الفاعل، وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يغضب لنفسه، وإنما كان يغضب لله -سبحانه وتعالى-، فيشتد به ذلك الغضب، حتى يُرَى أثره من حمرة اللون ونحوها في وجهه الكريم، (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: ("إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) من الأمم اليهود، والنصارى؛ أي: تسببوا في إهلاك أنفسهم بالكفر، والابتداع، (بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ" أي: الكتب المنزلة على أنبيائهم، فكفَر بعضهم بكتاب بعض، فهلكوا، فلا تختلفوا أنتم في الكتاب، وأراد بالاختلاف: ما أوقع في شكّ، أو شبهة، أو فتنة، أو شحناء، أو نحوها (١).

وقال المناويّ -رحمه الله-: يعني: أن الأمم السابقة اختلفوا في الكتب المنزلة، فكفَرَ بعضهم بكتاب بعض، فهلكوا، فلا تختلفوا أنتم في هذا الكتاب، والمراد بالاختلاف: ما أوقع في شكّ، أو شبهة، أو فتنة، أو شحناء، ونحو ذلك، لا الاختلاف في وجوه المعاني، واستنباط الأحكام، والمناظرة لإظهار الحقّ، فإنه مأمور به؛ فضلًا عن كونه منهيًّا عنه، قال الحرانيّ: والاختلاف انتقال من الخلاف، وهو تقابل بين اثنين فيما ينبغي انفراد الرأي فيه. انتهى (٢).

وقال النوويّ -رحمه الله-: المراد بهلاك من قبلنا هنا: هلاكهم في الدِّين بكفرهم، وابتداعهم، فحذّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مِثل فِعلهم، والأمرُ بالقيام عند الاختلاف في القرآن -أي: في الحديث التالي- محمول عند العلماء على اختلاف لا يجوز، أو اختلاف يوقع فيما لا يجوز، كاختلاف في نفس القرآن، أو في معنى منه، لا يسوغ فيه الاجتهاد، أو اختلاف يوقع في شكّ، أو شبهة، أو فتنة، وخصومة، أو شجار، ونحو ذلك، وأما الاختلاف في استنباط فروع الدِّين منه، ومناظرة أهل العلم في ذلك على سبيل الفائدة، وإظهار الحقّ، واختلافهم في ذلك، فليس منهيًّا عنه، بل هو مأمور به، وفضيلة ظاهرة، وقد


(١) "التيسير بشرح الجامع الصغير" ١/ ٣٦٤.
(٢) "فيض القدير شرح الجامع الصغير" ٣/ ٥.