٢ - (ومنها): ما قاله النوويّ رحمه اللهُ: فيه كراهة التقعر في الكلام بالتشدّق، وتكلف الفصاحة، واستعمال وحشيّ اللغة، ودقائق الإعراب في مخاطبة العوام، ونحوهم. انتهى.
٣ - (ومنها): ذمّ التعمّق في البحث، ولا سيّما فيما لا نصّ فيه؛ إذا كان مما لا حاجة إليه في الدِّين، وإلا فلا ذمّ.
قال في "الفتح": قال بعض الأئمة: والتحقيق في ذلك أن البحث عما لا يوجد فيه نصّ على قسمين:
أحدهما: أن يبحث عن دخوله في دلالة النصّ على اختلاف وجوهها، فهذا مطلوب، لا مكروه، بل ربما كان فرضًا على من تعيَّن عليه من المجتهدين.
ثانيهما: أن يدقّق النظر في وجوه الفروق، فيفرِّق بين متماثِلَين بفرق ليس له أثر في الشرع، مع وجود وَصْف الجمع، أو بالعكس، بأن يجمع بين متفرِّقَين بوصف طرديّ مثلًا، فهذا الذي ذمّه السلف، وعليه ينطبق حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - هذا، فرأوا أن فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته، ومثله الإكثار من التفريع على مسألة لا أصل لها في الكتاب، ولا السُّنَّة، ولا الإجماع، وهي نادرة الوقوع جدًّا، فيصرف فيها زمانًا كان صرفه في غيرها أَولى، ولا سيما إن لزم من ذلك إغفال التوسع في بيان ما يكثر وقوعه.
وأشد من ذلك في كثرة السؤال البحث عن أمور مغيَّبة، ورَدَ الشرع بالإيمان بها، مع تَرْك كيفيتها، ومنها ما لا يكون له شاهد في عالم الحسّ، كالسؤال عن وقت الساعة، وعن الروح، وعن مُدّة هذه الأمة، إلى أمثال ذلك، مما لا يُعرف إلا بالنقل الصِّرف، والكثير منه لم يثبت فيه شيء، فيجب الإيمان به من غير بحث.
وأشد من ذلك ما يوقع كثرةُ البحث عنه في الشكّ والحيرة، وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - رفعه:"لا يزال الناس يتساءلون، حتى يقال: هذا اللهُ خلق الخلق، فمن خلق الله؟ ".
وقال بعض الشُّرّاح: مثال التنطع في السؤال حتى يفضي بالمسؤول إلى الجواب بالمنع بعد أن يُفتي بالإذن: أن يسأل عن السِّلَع التي توجد في