للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لأن القلة قد يراد بها العدم، أو القلة في ابتداء الأشراط، والعدم في أثنائها، فهو باعتبار الزمانين (١).

ثم إن قوله: "أن يُرفع العلم" فيه إسناد مجازيّ، والمراد: رَفْعه بموت حَمَلته، وقبض العلماء، وليس المراد: محوه من صدور الحفاظ، وقلوب العلماء، والدليل عليه ما رواه الشيخان (٢) عن عبد الله بن عَمْرِو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله عزَّ وجلَّ لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالِمًا اتخذ الناس رؤساء جهالًا، فسُئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلّوا، وأضلوا"، فقد بَيَّن هذا الحديث أن المراد برفع العلم هنا: قَبْض أهله، وهُمُ العلماء، لا محوه من الصدور، لكن بموت أهله، واتخاذ الناس رؤساء جهالًا، فيحكمون في دين الله تعالى برأيهم، ويُفتون بجهلهم، قال القاضي عياض: وقد وُجد ذلك في زماننا، كما أخبر به - صلى الله عليه وسلم -، قال الشيخ قطب الدين: قال هذا مع توافر العلماء في زمانه، فكيف بزماننا، قال العينيّ: قال: هذا مع كثرة الفقهاء والعلماء من المذاهب الأربعة، والمحدِّثين الكبار في زمانه، فكيف بزماننا الذي خلت البلاد عنهم، وتصدّر الجهال بالإفتاء، والتعيّن في المجالس، والتدريس في المدارس، فنسأل السلامة والعافية. انتهى (٣).

(وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ) ببناء الفعل للفاعل، قال النوويّ رحمه اللهُ: قوله: "ويثبت الجهل إلخ" هكذا هو في كثير من النسخ: "يَثْبُت الجهل" من الثبوت، وفي بعضها: "يُبَثّ" بضم الياء، وبعدها موحّدة مفتوحة، ثم مثلثة مشدّدة؛ أي: يُنشر، وَيَشيع. انتهى (٤).

(ويُشْرَبَ الْخَمْرُ) ببناء الفعل للمفعول، و"الخمر" في اللغة من التخمير، وهو التغطية، سُمّيت به؛ لأنها تُغَطي العقل، ومنه الخمار للمرأة، وفي "العباب": يقال: خَمْرَةٌ، وخَمْرٌ، وخُمُور، مثال تَمْرة، وتَمْر، وتمور، ويقال:


(١) "فيض القدير" ٢/ ٥٣٢.
(٢) هو الحديث الآتي لمسلم في هذا الباب.
(٣) "عمدة القاري" ٢/ ٨٢.
(٤) "شرح النوويّ" ١٦/ ٢٢١.