للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"لأيّامًا"، (يُرْفَعُ) بالبناء للمفعول، (فِيهَا الْعِلْمُ) مرفوع على أنه نائب الفاعل، (ويَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ) قال في "الفتح": معناه أن العلم يرتفع بموت العلماء، فكلما مات عالم يَنْقص العلم بالنسبة إلى فَقْد حامله، وينشأ عن ذلك الجهل بما كان ذلك العالِم ينفرد به عن بقية العلماء. (وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ، وَالْهَرْجُ: الْقَتْلُ") كذا في هذه الرواية، وقال: رواية جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش الآتية: "والهرج بلسان الحبشة: القتل" ونَسَبَ التفسير في رواية واصل عند البخاريّ لأبي موسى.

وأصل الهرج في اللغة العربية: الاختلاط، يقال: هَرَج الناس: اختلطوا، واختلفوا، وهَرَج القوم في الحديث: إذا كثروا، وخلّطوا، وأخطأ من قال: نسبة تفسير الهرج بالقتل للسان الحبشة وَهَمٌ من بعض الرواة، وإلا فهي عربيّة صحيحة، ووجه الخطأ أنها لا تُستعمل في اللغة العربية بمعنى القتل، إلا على طريق المجاز؛ لكون الاختلاط مع الاختلاف يُفضي كثيرًا إلى القتل، وكثيرًا ما يُسَمَّى الشيءُ باسم ما يؤول إليه، واستعمالها في القتل بطريق الحقيقة هو بلسان الحبشة، وكيف يُدَّعَى على مثل أبي موسى الأشعريّ الوهم في تفسير لفظة لغويّة؟ بل الصواب معه، واستعمال العرب الهرج بمعنى القتل لا يمنع كونها لغة الحبشة، وإن ورد استعمالها في الاختلاط والاختلاف، كحديث معقل بن يسار - رضي الله عنه -، رَفَعه: "العبادة في الهرج كهجرة إليّ"، أخرجه مسلم.

وذكر صاحب "المحكم" للهرج معاني أخرى، ومجموعها تسعة: شدّة القتل، وكثرة القتل، والاختلاط، والفتنة في آخر الزمان، وكثرة النكاح، وكثرة الكذب، وكثرة النوم، وما يُرَى في النوم غير منضبط، وعدم الإتقان للشيء، وقال الجوهريّ: أصل الهرج: الكثرة في الشيء؛ يعني: حتى لا يتميز. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد نظمت معاني الهرج المذكورة بقولي:

لِلْهَرْجِ تِسْعَةٌ مِنَ الْمَعَانِي … أي فِتَنٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ

كَثْرَةُ قَتْلٍ وَكَذَا اشْتِدَادُهُ … وَكَثْرَةُ الْكِذْبِ أَتَى عِدَادُهُ (٢)


(١) "الفتح" ١٦/ ٤٥٧ - ٤٥٨، كتاب "الفتن" رقم (٧٠٦٢ و ٧٠٦٣).
(٢) بكسر العين: أي: عدّه منها.