للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثم يَحْتَمِل أن يكون الذكر باللسان فقط، أو بالقلب فقط، أو بهما، أو بامتثال الأمر، واجتناب النهي، قال: والذي تدلّ عليه الأخبار أن الذكر على نوعين: أحدهما: مقطوع لصاحبه بما تضمّنه هذا الخبر، والثاني: على خطر، قال: والأول يستفاد من قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧)} [الزلزلة: ٧]، والثاني من الحديث الذي فيه: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بُعْدًا" (١)، لكن إن كان في حال المعصية يذكر الله بخوف ووَجَل مما هو فيه، فإنه يرجى له. انتهى (٢).

(إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي)؛ أي: إن ذكرني بالتنزيه والتقديس سرًّا، ذكرته بالثواب والرحمة سرًّا.

وقال ابن أبي جمرة (٣): يَحْتَمِل أن يكون مثل قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: ١٥٢] ومعناه: اذكروني بالتعظيم، أذكركم بالإنعام، وقال تعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: ٤٥]؛ أي: أكبر العبادات، فمَن ذَكره، وهو خائف آمنه، أو مستوحشٌ آنسه، قال تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: ٢٨]. انتهى (٤).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "ذكرته بالإنعام" الحقّ أن ذكر الله تعالى لعبد على ظاهره، فهو -سبحانه وتعالى - إذا ذكره عبده في نفسه، ذكره هو في نفسه، وإن ذكره في ملأ ذكره في ملأ خير من ملئه، ذكرًا حقيقيًّا، لا مجازيًّا، فتأويل "ذَكَر" بالإنعام صَرْف وتأويل لمعنى ذِكر الله تعالى لعبده إلى لازمه، فلا يصحّ، فتنبّه، وسيأتي قريبًا زيادة تحقيق لذلك -إن شاء الله تعالى -.

وقال القرطبيّ: قوله: "في نفسي": النفس: اسم مشترَك، يُطلق على نفس الحيوان، وهي المتوفاة بالموت والنوم، ويُطلق ويراد به الدم، والله تعالى منزه عن ذينك المعنيين، ويُطلق، ويراد به ذات الشيء، وحقيقته، كما يقال: رأيت زيدًا نفسه، عينه؛ أي: ذاته، وقد يطلق، ويراد به الغيب، كما قد قيل


(١) قال الشيخ الألبانيّ -رحمه الله -: ضعيف جدًّا، وقال في موضع آخر: باطل. "الضعيفة" ١/ ٥٤.
(٢) "بهجة النفوس" ٤/ ٢٧٦.
(٣) "بهجة النفوس" ٤/ ٢٧٦.
(٤) "الفتح" ١٧/ ٣٥٦، كتاب "التوحيد" رقم (٧٤٠٥).