للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَطِّلِع على أحكامها، وفي أسرار مخلوقات الله تعالى، والذكر بالجوارح: هو أن تصير مستغرقة في الطاعات. انتهى (١).

وقال في "الفتح": المراد بالذكر هنا: الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها، والإكثار منها، مثل الباقيات الصالحات، وهي: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"، وما يلتحق بها من الحوقلة، والبسملة، والحسبلة، والاستغفار، ونحو ذلك، والدعاء بخيري الدنيا والآخرة.

ويُطلق ذكر الله أيضًا ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه، أو ندب إليه؛ كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، ومدارسة العلم، والتنفل بالصلاة، ثم الذكر يقع تارة باللسان، ويؤجر عليه الناطق، ولا يُشترط استحضاره لمعناه، ولكن يشترط أن لا يقصد به غير معناه، وإن انضاف إلى النُّطق الذكرُ بالقلب فهو أكمل، فإن انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذِّكر، وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى، ونفي النقائص عنه، ازداد كمالًا، فإن وقع ذلك في عمل صالح، مهما فُرض من صلاة، أو جهاد، أو غيرهما، ازداد كمالًا، فإن صحّح التوجه، وأخلص لله تعالى في ذلك، فهو أبلغ الكمال.

وقال الفخر الرازيّ: المراد بذكر اللسان: الألفاظ الدالة على التسبيح، والتحميد، والتمجيد، والذكرُ بالقلب: التفكر في أدلة الذات والصفات، وفي أدلة التكاليف، من الأمر والنهي، حتى يَطَّلع على أحكامها، وفي أسرار مخلوقات الله، والذكرُ بالجوارح: هو أن تصير مستغرقة في الطاعات، ومن ثَمّ سمى الله الصلاة ذكرًا، فقال: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩].

ونُقل عن بعض العارفين قال: الذِّكر على سبعة أنحاء: فذِكْرُ العينين بالبكاء، وذِكْرُ الأذنين بالإصغاء، وذكر اللسان بالثناء، وذكر اليدين بالعطاء، وذكر البدن بالوفاء، وذكر القلب بالخوف والرجاء، وذكر الروح بالتسليم والرضاء. انتهى (٢).


(١) "عمدة القاري" ٢٣/ ٢٧.
(٢) "الفتح" ١٤/ ٤٥٨، "كتاب الدعوات" رقم (٦٤٠٨).