كانا يدرّسان القرآن بعد صلاة الصبح ببيروت، والأوزاعيّ في المسجد، لا يغيّر عليهم، وذكر حرب أنه رأى أهل دمشق، وأهل حمص، وأهل مكة، وأهل البصرة، يجتمعون على القرآن بعد صلاة الصبح، ولكن أهل الشام يقرؤون القرآن كلهم جملة من سورة واحدة بأصوات عالية، وأهل البصرة، وأهل مكة يجتمعون، فيقرأ أحدهم عشر آيات، والناس ينصتون، ثم يقرأ آخر عشر آيات، حتى يفرغوا، قال حرب: وكل ذلك حسن جميل.
وقد أنكر مالك على أهل الشام، وقال زيد بن عبيد الدمشقيّ: قال لي مالك بن أنس: بلغني أنكم تجلسون حِلَقًا تقرؤون، فأخبرته بما كان يفعل أصحابنا، فقال مالك: عندنا كان المهاجرون والأنصار ما نعرف هذا، قال: فقلت: هذا طريف، قال: وطريف رجل يقرأ، ويجتمع الناس حوله، فقال: هذا من غير رأينا، قال أبو مصعب، وإسحاق بن محمد الَرْويّ: سمعنا مالك بن أنس يقول: الاجتماع بكرة بعد صلاة الصبح لقراءة القرآن بدعة، ما كان أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا العلماء بعدهم على هذا، كانوا إذا صلوا يخلو كل بنفسه، ويمرأ، ويذكر اللَّه تعالى، ثم ينصرفون من غير أن يكلّم بعضهم بعضًا؛ اشتغالًا بذكر اللَّه، فهذه كلها مُحْدَثة.
وقال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: لم تكن القراءة في المسجد من أمْر الناس القديم، وأول من أحدث في المسجد: الحَجَّاج بن يوسف، قال مالك: وأنا أكره ذلك الذي يُقرأ في المسجد في المصحف، وقد روى هذا كله أبو بكر النيسابوريّ في كتاب مناقب مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
واستَدَلّ الأكثرون على استحباب الاجتماع لمدارسة القرآن في الجملة بالأحاديث الدالة على استحباب الاجتماع للذكر، والقرآنُ أفضل أنواع الذكر، ففي "الصحيحين" عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"إن للَّه ملائكة يطوفون في الطرُق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون اللَّه تعالى، تنادوا: هَلُمُّوا إلى حاجتكم، فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، فيسألهم ربهم، وهو أعلم بهم: ما يقول عبادي؟ قال: يقولون: يسبّحونك، ويكبّرونك، ويحمدونك، ويمجدونك. . . . " الحديث، وقد تقدّم قريبًا.
وفي "صحيح مسلم" عن معاوية -رضي اللَّه عنه-؛ أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج على حلقة