وقال ابن حبّان في "صحيحه": كان المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم- يستغفر ربه جلّ وعلا في الأحوال، على حسب ما وصفناه، وقد غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولاستغفاره -صلى اللَّه عليه وسلم- معنيان:
أحدهما: أن اللَّه جلَّ وعلا بعثه مُعَلِّمًا لِخَلْقه قولًا وفعلًا، فكان يعلّم أمته الاستغفار، والدوام عليه؛ لِمَا علم من مقارفتها المآثم في الأحايين.
والمعنى الثاني: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يستغفر لنفسه عن تقصير الطاعات، لا الذنوب؛ لأن اللَّه جلَّ وعلا عصمه من بين خلقه، واستجاب له دعاءه على شيطانه، حتى أسلم، وذاك أن من خُلُق المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا أتى بطاعة للَّه عزَّ وجلَّ داوم عليها، ولم يقطعها، فربما شُغل بطاعة عن طاعة، حتى فاتته إحداهما، كما شُغل -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الركعتين اللتين بعد الظهر بوفد تميم، حيث كان يَقسم فيهم، ويَحملهم، حتى فاتته الركعتان اللتان بعد الظهر، فصلّاهما بعد العصر، ثم داوم عليهما في ذلك الوقت فيما بعدُ، فكان استغفاره -صلى اللَّه عليه وسلم- لتقصير طاعة أن أخَّرها عن وقتها من النوافل؛ لاشتغاله بمثلها من الطاعات التي كان في ذلك الوقت أَولى من تلك التي كان يواظب عليها، لا أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يستغفر من ذنوب يرتكبها. انتهى. وقال ابن حبّان في موضع آخر: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "توبوا إلى ربكم" يريد به: استغفروا ربكم، وكذلك قوله:"فإني أتوب إليه كل يوم مائة مرة"، وكان استغفار رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لتقصيره في الطاعات التي وظّفها على نفسه؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان من أخلاقه إذا عَمِل خيرًا أن يُثْبِته، فيدوم عليه، فربما اشتغل في بعض الأوقات عن ذلك الخير الذي كان يواظب عليه بخير آخر، مثل اشتغاله بوفد بني تميم، والقسمة فيهم عن الركعتين اللتين كان يصليهما بعد الظهر، فلما صلى العصر أعادهما، فكان استغفاره -صلى اللَّه عليه وسلم - للتقصير في خير اشتغل عنه بخير ثان، على حسب ما وَصَفنا. انتهى (١). واللَّه تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث الأغرّ المزنيّ -رضي اللَّه عنه- هذا من أفراد المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ-.