للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وأما دَرَك الشقاء، فالمشهور فيه فتح الراء، وحَكَى القاضي، وغيره: أن بعض رواة مسلم رواه ساكنها، وهي لغة، قال: وهو يكون في أمور الآخرة، والدنيا، ومعناه: أعوذ بك أن يدركني شقاء. انتهى (١).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "من سوء القضاء، ومن درك الشقاء": يُروَى بفتح الراء، وبإسكانها، فبالفتح: الاسم، وبالإسكان: المصدر، وهما متقاربان، والمتعوّذ منه: أن يلحقه شقاء في الدنيا يُتعبه، ويُثقله، وفي الآخرة: يعذبه، و"جهد البلاء": يروى بفتح الجيم، وضمّها، قال ابن دريد: هما لغتان بمعنى واحد، وهو: التعب، والمشقة، وقال غيره -وهو نفطويه- بالضم: وهو الوسع والطاقة، وبالفتح: المبالغة والغاية. ورُوي عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: جهد البلاء: قلّة المال، وكثرة العيال، و"شماتة الأعداء": هي ظَفَرهم به، أو فرحهم بما يلحقه من الضرر، والمصائب، وقد جاء هذا الدعاء مسجعًا -كما ترى الآن- لكن ذلك السجع لم يكن متكلّفًا، وإنَّما يُكره من ذلك ما كان متكلّفا -كما تقدم-.

وإنَما دعا النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذه الدعوات، وتعوّذ بهذه التعوذات؛ إظهارًا للعبودية، وبيانًا للمشروعية؛ ليُقتَدَى بدعواته، ويُتعوّذ بتعويذاته، واللَّه أعلم. انتهى (٢).

(وَمِنْ شَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ) هو أن يفرح العدوّ ببلية تنزل بعدوّه، يقال منه: شَمِتَ -بكسر الميم- وشَمَت -بفتحها- فهو شامت، وأشمت غيره. وقال ابن بطال -رَحِمَهُ اللَّهُ-: شماته الأعداء: ما يَنكأ القلب، ويبلغ من النفس أشدّ مبلغ.

(وَمِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ) بفتح الجيم، وضمها، والفتح أشهر، وأفصح، رُوي عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أنه فسّره بقلّة المال، وكثرة العيال، وقال غيره: هي الحال الشاقّة.

وقال في "الفتح": قال ابن بطال وغيره: جهد البلاء: كل ما أصاب المرء من شدّة مشقة، وما لا طاقة له بحمله، ولا يقدر على دفعه. وقيل: المراد بجهد البلاء: قلة المال، وكثرة العيال، كذا جاء عن ابن عمر، والحقّ


(١) "شرح النوويّ" ١٧/ ٣٣.
(٢) "المفهم" ٧/ ٣٥.