ويَحْتَمِل أن يكون المراد بالموت هنا: السكون، كما قالوا: ماتت الريح؛ أي: سكنت، فيَحْتَمِل أن يكون أطلق الموت على النائم، بمعنى إرادة سكون حركته؛ لقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ}[يونس: ٦٧]، قاله الطيبيّ، قال: وقد يستعار الموت للأحوال الشاقّة؛ كالفقر، والذّلّ، والسؤال، والهرم، والمعصية، والجهل.
وقال القرطبيّ في "المفهم": النوم والموت يجمعهما انقطاع تعلق الروح بالبدن، وذلك قد يكون ظاهرًا، وهو النوم، ولذا قيل: النوم أخو الموت، وباطنًا، وهو الموت، فإطلاق الموت على النوم يكون مجازًا؛ لاشتراكهما في انقطاع تعلق الروح بالبدن.
وقال الطيبيّ: الحكمة في إطلاق الموت على النوم أن انتفاع الإنسان بالحياة إنما هو لتحري رضا اللَّه عنه، وقَصْد طاعته، واجتناب سخطه، وعقابه، فمن نام زال عنه هذا الانتفاع، فكان كالميت، فحَمِد اللَّه تعالى على هذه النعمة، وزوال ذلك المانع، قال: وهذا التأويل موافق للحديث الآخر الذي فيه: "وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين"، وينتظم معه قوله:"وإليه النشور"؛ أي: وإليه المرجع في نيل الثواب بما يُكتسب في الحياة. انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: والحديث الذي أشار إليه سيأتي مع شرحه قريبًا في هذا الباب.
وقال المناويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "أحيانا بعدما أماتنا"؛ أي: أيقظنا بعدما أنامنا، أَطلق الموت على النوم؛ لأنه يزول معه العقل والحركة، ومن ثم قالوا: النوم موت خفيف، والموت نوم ثقيل، وقالوا: النوم أخو الموت.
وقيل: معنى قوله: "أحيانا بعدما أماتنا"؛ أي: رَدّ أنفسنا بعد قَبْضها عن التصرف بالنوم؛ يعني: الحمد للَّه شكرًا لنيل نعمة التصرف في الطاعات بالانتباه من النوم الذي هو أخو الموت، وزوال المانع عن التقرب بالعبادات.