للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المقصود بالحياة، من العلم، والعمل، ولذا قال تعالى: {لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} [النحل: ٧٠]، وقيل: سبب الاستعاذة منه كونه داءً لا دواء له، كما في الحديث.

(وَسُوءِ الْكِبَرِ) بكسر الكاف، وفتح الباء، وهو الأصحّ روايةً ودرايةً؛ أي: مما يورثه الكبر من ذهاب العقل، واختلال الرأي، وغير ذلك، مما يسوء به الحال، ورُوي بسكون الموحّدة، والمراد به: البَطَر، قال الطيبيّ: والدراية تساعد الرواية الأُولى؛ لأن الجمع بين البطر والهرم بالعطف؛ كالجمع بين الضبّ والنون.

ونازعه ابن حجر، وقال: الأول أصحّ؛ أي: أشهر روايةً، وأما درايةً فالثاني يفيد ما لا يفيده ما قبله، وهو الهرم، فهو تأسيس محض، بخلاف الأول، فإنه إنما يفيد ضربًا من التأكيد، والتأسيسُ خيرٌ من التأكيد. انتهى.

وتعقّبه القاريّ، فقال: وهو عجيب منه، فإن المغايرة بينهما ظاهرة غاية الظهور على الطيبيّ وغيره، كما بين الضبّ والنون، وإنما الكلام في المناسبة، والملاءمة بين المتعاطفين، كما اعتبره علماء المعاني، مع أن الطيبيّ لم يقل بالتأكيد، بل فَسَّر سوء الكبر بما ينشأ من الهرم، فالتغاير ظاهر، ويدل عليه لفظ "سوء" المناسب للكِبَر بفتح الباء، فإن الكِبْر بسكون الباء يُذَمّ مطلقًا. انتهى (١).

(اللَّهُمَّ إِني أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ، وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ")؛ أي: من نفس عذابهما، أو مما يوجبه، وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والتنكير في "عذاب" للتهويل، والتفخيم، وقال القاري: التنوين للتقليل (٢)، وفي هذا الدعاء إظهار العبودية، والافتقار إلى تصرفات الربوبية، وأن الأمر كله خيره وشره بيد اللَّه، وأن العبد ليس له من الأمر شيء، وفيه تعليم للأمة؛ ليتعلموا آداب الدعوة، واللَّه تعالى أعلم.


(١) "مرقاة المفاتيح" ٥/ ٢٩١.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٦/ ١٨٧٢، و"مرقاة المفاتيح" ٥/ ٢٩١.