للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومعنى "سددني": وفّقني، واجعلني منتصبًا في جميع أموري، مستقيمًا، وأصل السَّداد: الاستقامة، والقصد في الأمور، وأما الهدى هنا فهو الرشاد، ويذكّر، ويؤنث، ومعنى "اذكر بالهدى هدايتك الطريق، وبالسداد سداد السهم"؛ أي: تذكّر ذلك في حال دعائك بهذين اللفظين؛ لأن هادي الطريق لا يزيغ عنه، ومسَدِّد السهم يَحرص على تقويمه، ولا يستقيم رميه حتى يقوِّمه، وكذا الداعي ينبغي أن يحرص على تسديد علمه، وتقويمه، ولزومه السُّنَّة، وقيل: ليتذكر بهذا لفظ السداد والهدى لئلا ينساه. انتهى (١).

وقال المناويّ: قال القاضي: أمَره بأن يسأل اللَّه الهداية، والسداد، وأن يكون في ذلك مُخْطِرًا بباله أن المطلوب هداية كهداية من ركَبِ متن الطريق، وأخذ في المنهج المستقيم، وسدادًا كسداد السهم نحو الغرض، والمعنى: أن يكون في سؤاله طالبًا غاية الهدى، ونهاية السداد. انتهى.

وقال الراغب: التسديد أن يقوِّم إرادته، وحركته نحو الغرض المطلوب؛ ليهجم إليه في أسرع مدة يمكن الوصول فيها إليه، وهو المسؤول بقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)} [الفاتحة: ٦].

وقال بعضهم: معناه: إذا سألت الهدى فأخطر بقلبك هداية الطريق؛ لأن سالك الفلاة يلزم الجادّة، ولا يفارقها خوفًا من الضلال، وكذا الرامي إذا رمى شيئًا سدّدَ السهم نحوه؛ ليصيبه، فأَخْطِرْ ذلك بقلبك؛ ليكون ما تنويه من الدعاء على شاكلة ما تستعمله في الرمي.

وقال القونويّ: اشتَرَط في هذا الحديث صحة الاستحضار للأمر المطلوب من الحق حال الطلب، وذلك لأن الأجابة تابعة للتصور، فالأصح تصوّرًا للحقّ تكون أدعيته مجابة، وصحة التصور تابعة للعلم المحقّق، والشهود الصحيح، ولهذا قال في الحديث الآتي: "لو عرفتم اللَّه حقّ معرفته لزالت بدعائكم الجبال" (٢)، ألا ترى أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لمّا كان تام الشهود كانت أكثر


(١) "شرح النوويّ" ١٧/ ٤٣ - ٤٤.
(٢) هذا حديث منكَر، لا يصلح للاحتجاج به، كما بيّنه الشيخ الألبانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "السلسلة الضعيفة".