أحدهما: أن عددًا لو كان مصدرًا لم يجئ بالفتح؛ لأن مصدر عَدّ على فَعْل بسكون العين، فيجب أن يُدْغَم، فيقال: عَدًّا بالتشديد، كرَدّ، ومَدّ، وشدّ، قال تعالى:{إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا}[مريم: ٨٤].
والثاني: أنه قال: منصوب على المصدر، ثم قال: أي: أَعُدّ تسبيحه بعدد خلقه، فأدخل عليه الباء، وليس هذا شأن المصدر الذي هو مفعول مطلق، لا يقال: ضربت زيدًا يضرب في موضع ضربته ضربًا، ثم قال: وبمقدار ما يرضاه، وبثقل عرشه، ومقداره، وبمقدار كلماته، وهذا كله يبطل القول بأنه منصوب على المصدر، ويؤول إلى نزع الخافض، أو الظرفية، فإن النصب على الظرفية، ونَزْع الخافض متقاربان، فإن الظرف منصوب على إسقاط الخافض الذي هو "في"، غير أنه باب مطّرد، والنصب بنزع الخافض في غير الظرف غير مطّرد، فاتجه بذلك أنه منصوب على الظرف بتقدير قَدْر، وقد صرّح بذلك الخطابيّ في "معالم السنن"، قوله:"ومداد كلماته"؛ أي: قدر ما يوازنها في العدد والكثرة.
وقال ابن الأثير في "النهاية": "ومداد كلماته"؛ أي: مثل عددها، وقيل: قَدْر ما يوازنها في الكثرة عِيارَ كيل، أو وزن، أو ما أشبهه، وهذا تمثيل يراد به التقريب. انتهى.
فأشار بقوله:"مِثْل" إلى المصدر، أو الوصف، وبقوله:"وقيل: قَدْر" إلى الظرف.
وقال الشيخ أكمل الدين في "شرح المشارق": قوله: "عدد خلقه"؛ أي: عددًا كعدد خلقه، وزنة عرشه؛ أي: بمقدار وزنه، ورضا نفسه؛ أي: غير منقطع، فأشار إلى أن لكل واحدة إعرابًا على حِدَة، الأولى مصدر، والثانية ظرف، والثالثة حال، ولا شكّ أن تساوي الكل في الإعراب حيث أمكن أَولى، وتقدير "قَدْر" في كل منهما صحيح، فاتجه نصب الكل على الظرف، بتقدير "قَدْر".
[فإن قيل]: لم يصرح أحد بأن قَدْر انتصب على الظرف.
[قلت]: ذلك لعدم اطلاعك في أمهات الكتب، وقد صرح الخطيب