للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) -رضي اللَّه عنه-؛ أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ) فيه إثبات صفة الرضا للَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- على ما يليق بجلاله، ولا يؤوّل، وفي رواية الضياء في "المختارة": "إن اللَّه لَيُدخل العبد الجنة بالأكلة، أو الشربة، يحمد اللَّه -عزَّ وجلَّ- عليها").

(أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ)؛ أي: بسبب أن يأكل، أو لأجل أن يأكل، أو مفعول به لـ "يرضى يعني: أنه يحب منه أن يأكل الأكلة، قال النوويّ: الأكلة هنا بفتح الهمزة، وهي المرة الواحدة من الأكل، كالغداء، أو العَشاء. انتهى.

وقال القاري: بفتح الهمزة؛ أي: المرة من الأكل، حتى يشبع، ويُروَى بضم الهمزة؛ أي: اللقمة، وهي أبلغ في بيان اهتمام أداء الحمد، لكن الأول أوفق مع قوله: "أو يشرب الشَّربة"، فإنها بالفتح لا غير، وكل منهما مفعول مطلق لفعله. انتهى (١).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قد تقدّم أن الأكلة بفتح الهمزة: المرة الواحدة من الأكل، وبالضم: اللقمة، ويصلح هذا اللفظ هنا للتقييدين، وبالفتح وجدته مقيَّدًا في كتاب شيخنا، والحمد هنا بمعنى الشكر، وقد قدمنا أن الحمد يوضع موضع الشكر، ولا يوضع الشكر موضع الحمد. انتهى (٢).

(فَيَحْمَدَهُ) بالنصب، وهو ظاهر، ويجوز الرفع؛ أي: فهو؛ أي: العبد يحمده (عَلَيْهَا)؛ أي: على الأكلة، وقوله: (أَوْ) للتنويع، وليست للشك من الراوي، خلافًا لمن زعم ذلك. (يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ، فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا")؛ أي: على الشربة، قال المناويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وفيه أن أصل سُنَّة الحمد تحصل بأيّ لفظ اشتقّ مادة (ح م د) بل بما يدل على الثناء على اللَّه تعالى، والأَولى ما كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يحمد به، وسيأتي في المسألة الثالثة.

قال: وهذا تنويه عظيم بمقام الشكر، حيث رتَّب هذا الجزاء العظيم الذي هو أكبر أنواع الجزاء، كما قال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة: ٧٢] في مقابلة شُكره بالحمد، وعبَّر بالمرّة إشعارًا بأن الأكل والشرب يَستحقّ الحمد


(١) "تحفة الأحوذيّ" ٥/ ٤٣٧.
(٢) "المفهم" ٧/ ٦٠ - ٦١.