للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه اللَّه بها إحدى ثلاث: فإما أن يعجّل له دعوته، وإما أن يؤخّرها له في الآخرة، وإما أن يكفّر عنه، أو يكفّ عنه من السوء مثلها" (١).

قال: وفيه دليل على أنه لا بدّ من الإجابة على إحدى هذه الأوجه الثلاثة، فعلى هذا يكون تأويل قول اللَّه عزَّ وجلَّ -واللَّه أعلم- {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ}، أنه يشاء، وأنه لا مُكرِه له، ويكون قوله -عزَّ وجلَّ-: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: ١٨٦]، على ظاهره، وعمومه، بتأويل حديث أبي سعيد المذكور، واللَّه أعلم بما أراد بقوله، وبما أراد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والدعاء خير كله، وعبادة، وعملٌ حسنٌ، واللَّه لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

وقد روي عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-؛ أنه كان يقول: ما أخاف أن أُحرم الإجابة، ولكني أخاف أن أُحرم الدعاء.

قال: وهذا عندي على أنه حَمَل آية الإجابة على العموم، والوعد، واللَّه لا يخلف الميعاد.

وروي عن بعض التابعين أنه كان يقول: الداعي بلا عمل كالرامي بلا وَتَر.

ورُوي عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "لا يقبل اللَّه دعاء من قلب لاهٍ، فادعوه، وأنتم موقنون بالإجابة" (٢)، وقد علمنا أن ليس كل الناس تجاب دعوته، ولا في كل وقت تجاب دعوة الفاضل، وأن دعوة المظلوم لا تكاد تُرَدّ. انتهى كلام ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٣)، وهو تحقيق نفيسٌ، واللَّه تعالى أعلم.


(١) رواه أحمد، والبزّار، والحاكم، وأبو يعلى بأسانيد جيّدة، وقال: صحيح الإسناد، قاله الشيخ الألبانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
(٢) رواه الترمذيّ، والحاكم، وقال: مستقيم الإسناد، تفرد به صالح المريّ، وهو أحد زهاد البصرة. انتهى.
قال الحافظ: صالح المريّ لا شك في زهده، لكن تركه أبو داود، والنسائيّ، وقال في "التقريب": صالح بن بشير المرّيّ، أبو بِشر البصريّ القاصّ الزاهد ضعيف من السابعة، مات سنة (١٧٢) وقيل: بعدها.
(٣) "التمهيد لابن عبد البرّ" ١٠/ ٢٩٦ - ٢٩٩.