للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والثاني: سرعة فنائها، كالشيء الأخضر في هذين الوصفين، ومعنى "مستخلفكم فيها" جاعلكم خلفاء من القرون الذين قبلكم، فينظر هل تعملون بطاعته أم بمعصيته، وشهواتكم؟. انتهى (١).

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "حلوة خضرة" كناية عن كونها غرّارة، تفتن الناس بلونها وطعمها، وليس تحتها طائل. انتهى (٢).

وقال المناويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "فإن الدنيا" في الرغبة والميل إليها، وحرص النفوس عليها؛ كالفاكهة التي هي "خضرة" في المنظر "حلوة" في المذاق، وكل منهما يُرْغَب فيه منفردًا، فكيف إذا اجتمعا، وقال الأكمل: الحلو ما يميل إليه الطبع السليم، والأخضر الطَّرِيّ الناعم، وأراد أن صورة الدنيا ومتاعها حَسَن المنظر، يعجب الناظر. انتهى (٣).

وقال أيضًا: "الدنيا حلوة خضرة"؛ أي: مشتهاة، مُونِقة، تُعجب الناظرين، فمن استكثر منها أهلكته، كالبهيمة إذا أكثرت من رعي الزرع الأخضر أهلكها، ففي تشبيه الدنيا بالخضرة التي ترعاها الأنعام، إشارة إلى أن المستكثر منها كالبهائم، فعلى العاقل أن يقنع بما تدعو الحاجة منها، ويجتنب الإفراط والتفريط في تناولها، فإنه مهلك (٤).

(وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا)؛ أي: جاعلكم خلفاء من قَرْن خَلَوا قبلكم، (فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ؟) هل تطيعونه أو لا؟ (٥).

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الاستخلاف إقامة الغير مقام نفسه؛ أي: جعل اللَّه الدنيا مزينة لكم؛ ابتلاءً، هل تتصرفون فيها كما يحب ويرضي، أو تُسخطونه، وتتصرفون فيها بغير ما يحب ويرضى؟ انتهى (٦).

وقال المناويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "وإن اللَّه مستخلفكم فيها"؛ أي: جاعلكم خَلَفًا في الدنيا، "فناظر كيف تعملون"؛ يعني: أن الأموال التي في أيديكم إنما هي


(١) "شرح النوويّ" ١٧/ ٥٥.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ١٠/ ٣٢٦٥.
(٣) "فيض القدير" ٢/ ١٧٩.
(٤) "فيض القدير" ٣/ ٥٤٤.
(٥) "تحفة الأحوذيّ" ٦/ ٣٥٦.
(٦) "مرقاة المفاتيح" ٦/ ٢٤٣.