{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا}[غافر: ٧] وإن التوبة هي الندم على ما فرّط في الماضي، والعزم على الامتناع منه في المستقبل، والاستغفار طلب الغفران لِمَا صدر منه، ولا يجب فيه العزم في المستقبل هذا. وقد ذكر صاحب "المنازل" أسرارًا للتوبة بسط ابن القيم الكلام في شرح السر الأول وتوضيحه أحببنا إيراده لغاية حسنه ولطافته.
قال صاحب "المنازل": ولطائف أسرار التوبة ثلاثة أشياء:
أولها: أن ينظر الجناية والقضية، فيعرف مراد اللَّه فيها إذ خلّاك وإتيانها، فإن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، إنما خلى العبد والذنب لمعنيين: أحدهما: أن يعرف عزته في قضائه وبره في ستره وحلمه في إمهال راكبه وكرمه في قبول العذر منه وفضله في مغفرته.
الثاني: أن يقيم على عبده حجة عدله فيعاقبه على ذنبه بحجته.
قال ابن القيم في شرح هذا الكلام ١/ ١١١: اعلم أن صاحب البصيرة إذا صدرت منه الخطيئة فله نظر إلى خمسه أمور:
أحدها: أن ينظر إلى أمر اللَّه ونهيه، فيحدث له ذلك الاعتراف بكونها خطيئة والإقرار على نفسه بالذنب.
الثاني: أن ينظر إلى الوعد والوعيد، فيحدث له ذلك خوفًا وخشية تحْمله على التوبة.
الثالث: أن ينظر إلى تمكين اللَّه له منها وتخليته بينه وبينها أو تقديرها عليه وإنه لو شاء لعصمه منها وحال بينه وبينها، فيحدث له ذلك أنواعًا من المعرفة باللَّه وأسمائه وصفاته وحكمته ورحمته ومعرفته وعفوه وحلمه وكرمه، وتوجب هذه المعرفة عبودية بهذه الأسماء لا تحصل بدون لوازمها البتة، ويعلم ارتباط الخلق والأمر والجزاء والوعد بأسمائه وصفاته، وأن ذلك موجب الأسماء والصفات وأثرها في الوجود، وأن كل اسم وصفة مقتض لأثره وموجبه متعلق به لا بد منه، وهذا المشهد يُطلعه على رياض مونقة من المعارف والإيمان وأسرار القدر والحكمة يضيق عن التعبير عنها نطاق الكلم.
فمن بعضها: ما ذكره الشيخ -يعني: صاحب "المنازل"- أن يعرف العبد عزته في قضائه، وهو أنه سبحانه العزيز الذي يقضي بما يشاء، وإنه لكمال عزه