للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مع التعليق عليه، ولكن يكفي اللبيب التلميح، فإنه يفهم بالإشارة ما يفهمه الغبي بألف عبارة، ويكتفي بالقليل، والغبي لا يكفيه التطويل، ولو تُليت عليه التوراة والإنجيل.

(فِي كِتَابِهِ) يَحْتَمِل أن يكون المراد: اللوح المحفوظ، ويَحْتَمل أن يكون كتابًا آخر مختصًّا بهذا الأمر؛ تنويهًا بشأنه، ورفعًا لقدره. (فَهُوَ)؛ أي: ذلك الكتاب (عِنْدَهُ) -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عنديّة حقيقيّة على ظاهر اللفظ، على مراد اللَّه تعالى دون أن نؤوله، وقوله: (فَوْقَ الْعَرْشِ) صفة لـ "كتابه"، أو حال منه، قال في "الفتح": وقيل: إن فوق هنا بمعنى: دون، كما جاء في قوله تعالى: {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: ٢٦]، وهو بعيد. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: تفسير "فوق" في هذا الحديث بـ "دون" غير صحيح، وكذا تفسير ابن حبّان في "صحيحه" له بـ "تحت" حيث قال: قوله: "فوق العرش" من ألفاظ الأضداد التي تستعمل العرب في لغتها، يريد به: تحت العرش، لا فوقه، كقوله جلَّ وعلا: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} [الكهف: ٧٩] يريد به: أمامهم؛ إذ لو كان وراءهم لكانوا قد جاوزوه، ونظير هذا قوله جلَّ وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: ٢٦] أراد به: فما دونها. انتهى كلامه (٢)، غير صحيح أيضًا، فالأسلم ما ذهب إليه السلف، فإنهم يُثْبتون ما صحّ في الحديث على ظاهره، على مراد اللَّه تعالى، دون تأويل، ولا تمثيل، ولا تعطيل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١]، فاسلك سبيلهم تَسْلم، وتَغْنم، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

وقال الخطابي: المراد بالكتاب أحد شيئين: إما القضاء الذي قضاه، كقوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: ٢١]؛ أي: قضى ذلك، قال: ويكون معنى قوله: "فوق العرش"؛ أي: عنده علم ذلك، فهو لا ينساه، ولا يُبدله، كقوله تعالى: {فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: ٥٢]،


(١) "الفتح" ١٧/ ٤٠٩، "كتاب التوحيد" رقم (٧٤٢٢).
(٢) "صحيح ابن حبان" ١٤/ ١٢.