للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هو في جميع نُسخ "صحيح مسلم": "وربي" على القَسَم، ونقل القاضي عياض الاتفاق عليه أيضًا في كتاب مسلم، قال: وهو على القَسَم من المخبِر بذلك عنهم؛ لتصحيح خبره، وفي "صحيح البخاريّ": "فأخذ منهم ميثاقًا، وربي ففعلوا ذلك به"، قال بعضهم: وهو الصواب، قال القاضي: بل هما متقاربان في المعنى والقسم، قال: ووجدته في بعض نُسخ "صحيح مسلم" من غير رواية لأحد من شيوخنا، إلا للتميميّ من طريق ابن الحذّاء: "ففعلوا ذلك، وذري" قال: فإن صحت هذه الرواية فهي وجه الكلام؛ لأنه أمرهم أن يَذرُوه، ولعل الذال سقطت لبعض النساخ، وتابعه الباقون، هذا كلام القاضي، قال النوويّ: والروايات الثلاث المذكورات صحيحات المعنى، ظاهرات، فلا وجه لتغليط شيء منها، واللَّه أعلم. انتهى (١).

(فَقَالَ اللَّهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: مَخَافَتُكَ، قَالَ: فَمَا تَلَافَاهُ غَيْرُهَا)؛ أي: ما تداركه، والتاء فيه زائدة، قاله النوويّ، وضمير "غيرها" للرحمة؛ أي: لم يصادفه عند قوله: "مخافتك" إلا الرحمة والمغفرة، ويبيّن هذا رواية البخاريّ للحديث بلفظ: "فتلقّاه برحمته"، وفي رواية: "فتلقاه رحمته"، قال في "الفتح": قوله: "فتلقاه رحمته" في رواية الكشميهني "فتلافاه"، قال ابن التين: أما تلقاه بالقاف فواضح، لكن المشهور تعديته بالباء، وقد جاء هنا بغير تعدية، وعلى هذا فالرحمة منصوبة على المفعولية، ويَحْتَمِل أن يكون ذَكَر الرحمة، وهي على هذا بالرفع، قال: وأما تلافاه بالفاء فلا أعرف له وجهًا، إلا أن يكون أصله فتلففه؛ أي: غشاه، فلما اجتمعت ثلاث فاءات أُبدلت الأخيرة ألفًا، مثل دسّاها.

قال الحافظ: كذا قال، ولا يخفى تكلفه، والذي يظهر أنه من الثلاثيّ، والقول فيه كالقول في التلقي، وقد وقع في حديث سلمان: "مما تلافاه عندها أن غَفَر له". انتهى (٢).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وفي الحديث أن المسرف على نفسه لا ييأس من


(١) "شرح النوويّ" ١٧/ ٧٤.
(٢) "الفتح" ٨/ ١٣٨ - ١٣٩، "كتاب الأنبياء" رقم (٣٤٧٨).