للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وأما قياس الملائكة ما بين القريتين، وحُكم الملَك الذي جعلوه بينهم بذلك، فهذا محمول على أن اللَّه تعالى أمَرهم عند اشتباه أمْره عليهم، واختلافهم فيه أن يُحَكِّموا رجلًا ممن يمرّ بهم، فمَرَّ الملَك في صورة رجل، فحَكَم بذلك. انتهى (١).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "فإلى أيتهما كان أدنى فهو له" دليل على أن الحاكم إذا تعارضت الأقوال عنده، وتعذرت الشهادات، وأمكنه أن يستدلّ بالقرائن على ترجيح بعض الدعاوي، نفذ الحكم بذلك، كما فعله سليمان؛ حيث قال: "ائتوني بالسكين أشقّه بينهما".

[تنبيه]: قال القاضي: جعل اللَّه قربه من القرية علامة للملَك عند اختلافهم مع عدمهم معرفة حقيقة باطنه التي اطَّلَع اللَّه عليها، ولو تحقّقوا توبته لم يختلفوا، ولم يحتاجوا للمقايسة.

وتعقّبه القرطبيّ، فقال: هذه غفلة منه عن قول ملائكة الرحمة: "جاء تائبًا مقبلًا بقلبه إلى اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-")، وهذا نصّ في أن ملائكة الرحمة عَلِمت ما في قلبه، فلو علمت ملائكة العذاب ما في قلبه لَمَا تنازعوا؛ لأن الملائكة كلّهم لا يخفى عليهم أن التوبة إذا صحّت في القلب، وعَمِل على مقتضاها بالجوارح بالقَدْر الممكن مقبولة بفضل اللَّه تعالى، ووَعْده الصادق، والأحسن ما ذكرناه إن شاء اللَّه تعالى، وإنما جعل اللَّه قُرب تلك الأرض سببًا مرجّحًا لحجَّة ملائكة الرحمة، ومصدّقًا لصحة التوبة، وفيه دليل على أن أعمال الظاهر عنوان على الباطن. انتهى (٢).

(قَالَ قَتَادَةُ) بن دعامة: (فَقَالَ الْحَسَنُ) البصريّ: (ذُكِرَ لَنَا) بالبناء للمفعول؛ أي: ذَكر بعض الناس لنا، (أَنَّهُ)؛ أي: الرجل، (لَمَّا أتاهُ الْمَوْتُ)؛ أي: مقدّماته، وعلاماته، (نَأَى)؛ أي: ابتعد (بِصَدْرهِ) عن الأرض التي جاء منها إلى جهة الأرض التي خرج إليها؛ أي: فبسبب تلك المحاولة كان أقرب إليها، فقبضته ملائكة الرحمة، وفي رواية شعبة التالية: "فكان إلى القرية الصالحة أقرب منها بشبر، فجُعل من أهلها"، وفي روايته أيضًا: "فأوحى اللَّه إلى هذه أنْ تباعدي، وإلى هذه أنْ تقرّبي".


(١) "شرح النوويّ" ١٧/ ٨٤.
(٢) "المفهم" ٧/ ٩٢ - ٩٣.