الأنفس، ويُحمل على أن اللَّه تعالى إذا قَبِل توبة القاتل تكفّل برضا خصمه.
٢ - (ومنها): بيان أن المفتي قد يجيب بالخطأ، وغَفَل من زعم أنه إنما قَتَل الأخير على سبيل التأوّل؛ لكونه أفتاه بغير علم؛ لأن السياق يقتضي أنه كان غير عالم بالحكم، حتى استمر يستفتي، وأن الذي أفتاه استبعد أن تصح توبته بعد قَتْله لمن ذَكَر أنه قتله بغير حقّ، وأنه إنما قَتَله بناءً على العمل بفتواه؛ لأن ذلك اقتضى عنده أن لا نجاة له، فيئس من الرحمة، ثم تداركه اللَّه، فنَدِم على ما صنع، فرجع يسأل، وفيه إشارة إلى قلة فطنة الراهب؛ لأنه كان من حفه التحرز ممن اجترأ على القتل، حتى صار له عادة بأن لا يواجهه بخلاف مراده، وأن يستعمل معه المعاريض مداراةً عن نفسه، هذا لو كان الحكم عنده صريحًا في عدم قبول توبة القاتل، فضلًا عن أن الحكم لم يكن عنده إلا مظنونًا.
٣ - (ومنها): أن الملائكة الموكَلين ببني آدم يَختلف اجتهادهم في حقهم بالنسبة إلى من يكتبونه مطيعًا أو عاصيًا، وأنهم يختصمون في ذلك، حتى يقضي اللَّه بينهم.
٤ - (ومنها): بيان فضل التحول من الأرض التي يصيب الإنسان فيها المعصية؛ لِمَا يَغلب بحكم العادة على مثل ذلك؛ إما لتذكره لأفعاله الصادرة قبل ذلك، والفتنة بها، وإما لوجود من كان يعينه على ذلك، ويحضّه عليه، ولهذا قال له الأخير:"ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء".
٥ - (ومنها): أن فيه إشارةً إلى أن التائب ينبغي له مفارقة الأحوال التي اعتادها في زمن المعصية، والتحول منها كلّها، والاشتغال بغيرها.
٦ - (ومنها): بيان فضل العالم على العابد؛ لأن الذي أفتاه أوّلًا بأن لا توبة له غلبت عليه العبادة، فاستعظم وقوع ما وقع من ذلك القاتل، من استجرائه على قتل هذا العدد الكثير، وأما الثاني فغلب عليه العلم، فأفتاه بالصواب، ودلّه على طريق النجاة.
٧ - (ومنها): أن التوبة -كما قال عياض-: تنفع من القتل، كما تنفع من سائر الذنوب، وهو وإن كان شرعًا لمن قبلنا، وفي الاحتجاج به خلاف، لكن ليس هذا من موضع الخلاف؛ لأن موضع الخلاف إذا لم يَرِد في شرعنا