وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن أقيم الصلاة، وأُؤَدِّي الزكاة، وأن أحج حجة الإسلام، وأن أصوم رمضان، وأن أجاهد في سبيل الله، فقلت: يا رسول الله، فأما اثنتان فوالله ما أُطيقهما: الجهاد، والصدقة، فقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده، ثم حَرَّكها، فقال:"فلا جهاد، ولا صدقة، فبم تدخل الجنة؟ "، قلت: إذًا يا رسول الله أبايعك، فبايعته عليهنّ كلهنّ (١).
ففي هذا الحديث أنه لا يَكْفِي في دخول الجنة هذه الخصال بدون الجهاد والزكاة، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن ارتكاب بعض الكبائر، يمنع دخول الجنة، كقوله:"لا يدخل الجنة قاطع"، متّفقٌ عليه، وقوله:"لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر"، رواه مسلم، وقوله:"لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا"، رواه مسلم، والأحاديث التي جاءت في منع دخول الجنة بالدَّين حتى يُقضَى، وفي "الصحيح": أن المؤمنين إذا جازوا على الصراط، حُبِسُوا على قنطرة يُقْتَصُّ منهم مظالم بينهم، كانت في الدنيا.
وقال بعض السلف: إن الرجل ليُحْبَس على باب الجنة مائة عام بالذنب، كان يعمله في الدنيا، فهذه كلها موانع.
ومن هنا يظهر معنى الأحاديث التي جاءت في ترتب دخول الجنة على مجرد التوحيد، ففي "الصحيحين" عن أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة"، قلتُ: وإن زنى وإن سرق؟ قال:"وإن زنى وإن سرق"، قالها ثلاثًا، ثم قال في الرابعة:"على رَغْمِ أنف أبي ذر"، فخَرَجَ أبو ذر يقول: وإن رَغِمَ أنفُ أبي ذر.
وفيهما عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حقّ، والنار حقّ، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل"، وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة،
(١) رواه أحمد ٥/ ٢٢٤، ورجاله رجال الصحيح، غير أبي المثنّى العبديّ، وقد روى عنه جماعة، ووثقه ابن حبّان، ورواه الطبرانيّ أيضًا في "الكبير" " (١٢٣٣) و"الأوسط" (١١٤٨)، قال الهيثميّ في "المجمع" ١/ ٤٢: ورجال أحمد موثّقون.