للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَلَد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رضي اللَّه عنها، كان يزورها رجل قبطيّ، فتكلم المنافقون في ذلك، وشنَّعوا، فأظهر اللَّه براءتها بما ظهر من حال الرَّجل، وهذا نحو مِمَّا جرى لعائشة -رضي اللَّه عنها- حتَّى برَّأها اللَّه تعالى، وأظهر من حال المرميّ أنَّه حصور، كل ذلك، مبالغةٌ في صيانة حُرَم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإظهار تكذيب من تَفَوَّهَ بشيء من ذلك. انتهى (١).

وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قد نَزّه اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- حُرمة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يثبت شيء من ذلك في جهتها، والخبر معلوم أنه كان قبطيًا، وكان يتحدث إليها بحكم الجنسية، فتُكُلِّم في ذلك، ولم يأت أنه أسلم، وأن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نهاه عن التحدث إليه، فلما خالفه استحق بذلك القتل؛ إما للمخالفة، أو لتأذي النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بسببه، ومن آذى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بشيء ملعون كافر يستحقّ القتل.

ويَحْتَمِل أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- علم براءته، وكونه مجبوبًا، وأمر عليًّا بما أمره به لَمّا ذكر له هو أو غيره خلوّه ليتجلى أمره وترتفع تهمته.

ويَحْتَمِل أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان قد أوحي إليه أنه لا يقتله، وينكشف له من حاله ما يبيّن، أمره، وأنه في الرَّكِيِّ متجردًا لا أنه أمَره بقتله حقيقة، بل قال له ذلك، وهو يعلم أنه لا يقتله؛ لِمَا تبيّن له من براءته كما قال في الحديث الآخر: "احثُ في أفواههم التراب"، متّفقٌ عليه، وقد قالت عائشة له: ما أنت بفاعل، ففهمت أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُرِدْ ما قاله، بل على طريق التعجيز له، أي إنك لا تقدر على إسكاتهنّ ولا بذلك ولا يمكنك فعله.

وقد ذكر أصحاب الأخبار أن المقوقس صاحب مصر أهدى للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مع مارية أختها سيرين، ومعهما مخصيٌّ اسمه مأبور، وأنه أسلم، كذا سماه محمد بن سعد (٢)، وقال غيره: مابور، والأول أثبت، فهو ذلك، واللَّه تعالى أعلم. انتهى (٣).

(المسألة الرابعة): قد استشكل العلماء أمره -صلى اللَّه عليه وسلم- بقتل هذا الرجل:


(١) "المفهم" ٥/ ١٤٥.
(٢) انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد ٨/ ١٧٠، ١٧١.
(٣) "إكمال المعلم" ٨/ ٣٠٤ - ٣٠٥.