قالوه؛ أي: من قولهم: كذب زيد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفي رواية البخاريّ:"فأصابني همّ"، وفي رواية أبي سعد الأزديّ، عن زيد:"فوقع عليّ من الهم ما لم يقع على أحد"، وفي رواية محمد بن كعب:"فرجعت إلى المنزل، فَنِمْتُ"، زاد الترمذيّ في روايته:"فَنِمْتُ كَئيبًا حَزينًا"، وفي رواية ابن أبي ليلى:"حتى جلست في البيت؛ مخافةَ إذا رآني الناس أن يقولوا: كذبت".
زاد في رواية للبخاريّ:"فقال لي عمِي: ما أردت إلى أن كذّبك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومَقَتك".
(حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقِي)؛ أي: تصديق ما أخبرت به النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من قول عبد اللَّه بن أُبيّ الشنيع البذيّ، وقوله:({إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ}) مفعول به لـ "أنزل" محكيّ؛ لِقَصْد لفظه، والمراد به السورة بما اشتملت عليه من أحوال المنافقين، وأقوالهم الشنيعة، وفي رواية البخاريّ:"فأنزل اللَّه تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} "، فبعث إليّ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقرأ، فقال:"إن اللَّه قد صدّقك يا زيد"، وفي مرسل الحسن: فأخذ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأُذُن الغلام، فقال:"وَفَت أُذنك يا غلام" مرتين.
(قَالَ) زيد: (ثمَّ دَعَاهُمُ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-)؛ أي: طلب -صلى اللَّه عليه وسلم- المنافقين ابن أُبيّ وأصحابه ليحضروا مجلسه (لِيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ) ما اقترفوه من الجرائم الفظيعة، (قَالَ) زيد (فَلَوَّوْا) بتشديد الواو، أي: حرّكوا (رُؤُوسَهُمْ) استهزاء بالنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقال البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "صحيحه": "لووا رؤوسهم حركوا، استهزؤوا بالنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويُقرأ بالتخفيف، من لَوَيت". انتهى، قال في "الفتح": وفي مرسل سعيد بن جبير: "وجاء عبد اللَّه بن أبيّ، فجعل يعتذر، فقال له النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: تُبْ، فجعل يلوي رأسه، فنزلت". انتهى (١).
وقال في "فتح القدير": {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ}[المنافقون: ٥]؛ أي: إذا قال لهم القائل من المؤمنين: قد نزل فيكم ما نزل من القرآن، فتوبوا إلى اللَّه تعالى، ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتعالوا يستغفر لكم رسول اللَّه، {لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ}؛ أي: حَرّكوها استهزاء بذلك، قال مقاتل: عَطَفوا رؤوسهم رغبةً