للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لأنهم على وَجَلٍ أن يُنزل اللَّه فيهم أمرًا يهتك به أستارهم، ويفضحهم، ويبيح للمؤمنين قتلهم، وسَبْي ذراريهم، وأخذ أموالهم، فهم من خوفهم من ذلك كلما نزل بهم من اللَّه وحي على رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- ظنوا أنه نزل بهلاكهم، وعَطَبهم.

ويقول اللَّه جل ثناؤه لنبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-: هم العدو يا محمد، فاحذرهم، فإن ألسنتهم إذا لقوكم معكم، وقلوبهم عليكم، مع أعدائكم، فهم عين لأعدائكم عليكم.

وقوله: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون: ٤] يقول: أخزاهم اللَّه إلى أي وجه يُصرفون عن الحقّ. انتهى (١).

وقال في "فتح القدير": {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [المنافقون: ٤]؛ أي: هيئاتهم، ومناظرهم؛ يعني: أن لهم أجسامًا تُعجب من يراها؛ لِمَا فيها من النضارة، والرونق، {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} فتحسب أن قولهم حقّ، وصِدق؛ لفصاحتهم، وذلاقة ألسنتهم، وقد كان عبد اللَّه بن أبيّ رأس المنافقين فصيحًا، جسيمًا، جميلًا، وكان يحضر مجلس النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإذا قال سمع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مقالته، قال الكلبيّ: المراد: عبد اللَّه بن أبيّ، وجَدّ بن قيس، ومُعَتِّب بن قيس، كانت لهم أجسام، ومنظر، وفصاحة، والخطاب للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقيل: لكلّ من يصلح له، ويدلّ عليه قراءة من قرأ: "يُسمَع" على البناء للمفعول، وجملة: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} مستأنفة؛ لتقرير ما تقدّم من أن أجسامهم تُعجب الرائي، وتروق الناظر، ويجوز أن تكون في محل رفع على أنها خبر مبتدأ محذوف، شُبّهوا في جلوسهم في مجالس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مستندين بها بالخشب المنصوبة المسندة إلى الحائط التي لا تَفْهَم، ولا تَعْلَم، وهم كذلك؛ لخلوّهم عن الفهم النافع، والعلم الذي ينتفع به صاحبه، قال الزجاج: وَصَفهم بتمام الصُّوَر، ثم أعلم أنهم في تَرْك الفهم، والاستبصار بمنزلة الخشب، قرأ الجمهور: {خُشُبٌ} بضمتين، وقرأ أبو عمرو، والكسائي، وقنبل بإسكان الشين، وبها قرأ البراء بن عازب، واختارها أبو عبيد؛ لأن واحدتها خشبة كبدنة وبُدن، واختار القراءة الأُولى أبو حاتم، وقرأ سعيد بن


(١) "تفسير الطبريّ" ٢٨/ ١٠٧ - ١٠٨.