فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه، فيسجد له كلُّ مؤمن، ويبقى من كان يسجد لله رياءً وسمعةً، فيذهب كيما يسجد، فيعود ظهره طبقًا واحدًا، ثم يُؤتى بالجسر، فيُجْعَل بين ظهري جهنم، قلنا: يا رسول الله، وما الجسر؟ قال: مَدْحَضَةٌ مَزَلَّةٌ، عليه خَطاطيف، وكَلاليب، وحَسَكَةٌ، مُفَلْطَحَةٌ، لها شوكة عُقَيفاء، تكون بنجد، يقال لها: السَّعْدان، المؤمنُ عليها كالطَّرْف، وكالبرق، وكالريح، وكأجاويد الخيل والركاب، فنَاجٍ مُسَلَّمٌ، ونَاج مَخْدُوشٌ، ومَكْدُوس في نار جهنم، حتى يمر آخرهم يُسْحَبُ سَحْبًا، فما أنتم بأشدّ لي مناشدةً في الحقّ قد تبيّن لكم من المؤمن يومئذ للجبار، وإذا رأوا أنهم قد نَجَوْا في إخوانهم، يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلّون معنا، ويصومون معنا، ويعملون معنا، فيقول الله تعالى: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، ويُحَرّم الله صورهم على النار، فيأتونهم، وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه، وإلى أنصاف ساقيه، فيخرجون مَن عَرَفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه، فيخرجون من عَرَفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه، فيخرجون مَن عَرَفوا.
قال أبو سعيد: فإن لم تصدقوني فاقرؤوا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا}[النساء: ٤٠]، فيشفع النبيون، والملائكة، والمؤمنون، فيقول الجبار: بقيت شفاعتي، فيقبض قبضة من النار، فيخرج أقوامًا قد امْتَحَشُوا، فيُلْقَون في نهر بأفواه الجنة، يقال له ماء الحياة، فَيَنْبُتون في حافتيه، كما تنبت الْحِبَّة في حَمِيل السيل، قد رأيتموها إلى جانب الصخرة، وإلى جانب الشجرة، فما كان إلى الشمس منها كان أخضر، وما كان منها إلى الظل كان أبيض، فيخرجون كأنهم اللؤلؤ، فيُجعَل في رقابهم الخواتيم، فيدخلون الجنة، فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدّموه، فيقال لهم: لكم ما رأيتم، ومثله معه". انتهى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.