[قلت]: الحديث من الوجه الثاني على سبيل الكناية، وذكرُ الجثّة والعِظَم لا ينافي إرادة مقداره، وتفخيمه، قال تعالى:{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ}[المنافقون: ٤]. انتهى (١)، واللَّه تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٢/ ٧٠١٩](٢٧٨٥)، و (البخاريّ) في "التفسير"(٤٧٢٩)، و (الطبرانيّ) في "الأوسط"(١/ ٦٩)، و (الطبريّ) في "التفسير"(١٦/ ٣٥)، و (البيهقيّ) في "شعب الإيمان"(٥/ ٣٤ و ٧/ ٣٢٩)، واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): هذا الحديث ظاهر في الدلالة على أن العباد أنفسهم يوزنون، وقد دلّت نصوص أخرى على أن الأعمال هي التي توزن، ونصوص أيضًا دلّت على أن الصحائف هي التي توزن، ويُجمع بأن كلها توزن، فيوزن العبد، وتوزن أعماله، وتوزن صحائفه، وبهذا تجتمع الأدلّة في الباب.
وقال ابن أبي العزّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- عند قول الطحاويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "عقيدته": "والميزان"؛ أي: ونؤمن بالميزان، قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (٤٧)} [الأنبياء: ٤٧]، وقال تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (١٠٣)} [المؤمنون: ١٠٢، ١٠٣]. قال القرطبيّ: قال العلماء: إذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال؛ لأن الوزن للجزاء، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة، فإن المحاسبة لتقرير الأعمال، والوزن لإظهار مقاديرها؛ ليكون الجزاء بحَسَبها. قال: وقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} يَحْتَمِل أن يكون ثَمّ موازين متعددة توزن فيها الأعمال، ويَحْتَمِل أن يكون المواد: الموزونات، فجُمع باعتبار تنوّع الأعمال الموزونة، واللَّه أعلم.