تفنى؟ وما حقيقة تعذيبها، وتنعيمها؟، وغير ذلك من متعلقاتها، قال: وليس في السؤال ما يخصص أحد هذه المعاني، إلا أن الأظهر أنهم سألوه عن الماهية، وهل الروح قديمة، أو حادثة، والجواب يدلّ على أنها شيء موجود، مغاير للطبائع، والأخلاط، وتركيبها، فهو جوهر بسيط مجرّد، لا يحدث إلا بمُحدِث، وهو قوله تعالى:{كُنْ}[البقرة: ١١٧] فكأنه قال: هي موجودة، مُحْدَثة بأمر الله، وتكوينه، ولها تأثير في إفادة الحياة للجسد، ولا يلزم من عدم العلم بكيفيتها المخصوصة نفيه، قال: ويَحْتَمِل أن يكون المراد بالأمر في قوله: {مِنْ أَمْرِ رَبِّي}[الإسراء: ٨٥] الفعل؛ كقوله:{وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ}[هود: ٩٧]؛ أي: فِعله، فيكون الجواب: الروح من فعل ربي، وإن كان السؤال هل هي قديمة، أو حادثة؟ فيكون الجواب أنها حادثة، إلى أن قال: وقد سكت السلف عن البحث في هذه الأشياء، والتعمق فيها. انتهى.
قال: وقد تنطَّع قوم، فتباينت أقوالهم، فقيل: هي النَّفَس الداخل والخارج، وقيل: الحياة، وقيل: جسم لطيف يَحُلّ في جميع البدن، وقيل: هي الدم: وقيل: هي عَرَض، حتى قيل: إن الأقوال فيها بلغت مائة، ونقل ابن منده عن بعض المتكلمين أن لكل نبي خمسة أرواح، وأن لكل مؤمن ثلاثة، ولكل حي واحدة.
قال الجامع عفا الله عنه: هذه الأقوال المتشتّتة ليست مبنيّة على أسس من الكتاب والسُّنَّة، بل هي تفكيرات من العقول البشريّة التي لا تحول حول الأمور المغيّبة إلا بمقدر ما جاء من الوحي السماويّ، فواجبنا تجاهها أن نسكت كما سكت السلف الصالح، فليسعنا ما وَسِعهم، وهذا هو السبيل الوحيد الذي يُنجي في الدنيا والآخرة، فعَضّ عليه بنواجذك تَسْلَم، وتغنم، وإلا تخسر، وتندم، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
وقال ابن العربيّ: اختلفوا في الروح والنفس، فقيل: متغايران، وهو الحقّ، وقيل: هما شيء واحد، قال: وقد يعبَّر بالروح عن النفس، وبالعكس، كما يعبَّر عن الروح، وعن النفس بالقلب، وبالعكس، وقد يعبَّر عن الروح بالحياة، حتى يتعدى ذلك إلى غير العقلاء، بل إلى الجماد مجازًا.
وقال السهيليّ: يدلّ على مغايرة الروح والنفس قوله تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ