للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَكُلٌّ يُوَافِيهِ الْجَزَاءُ بِمِثْقَالِ

أي بوزن (١). (مِنْ خَرْدَلٍ) بفتح الخاء المعجمة، وسكون الراء: نباتٌ معروفٌ يُشَبّه به الشيء القليل البليغ في القلّة، وقوله: (مِنْ إِيمَانٍ) بيان لمثقال حبّة، وهو إشارة إلى ما لا أقلّ منه، قال الخطابيّ: هو مَثَلٌ ليكون عِيَارًا في المعرفة، لا في الوزن؛ لأن ما يُشكِل في المعقول يُرَدّ إلى المحسوس لِيُفهم، وقال إمام الحرمين: الوزن للصُّحُف المشتملة على الأعمال، ويَقَع وزنها على قدر أجور الأعمال، وقال غيره: يجوز أن تُجَسَّد الأعراض، فتوزن، وما ثبت من أمور الآخرة بالشرع، لا دخل للعقل فيه.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الحقّ أن الوزن ثبت للصحُف، وللأعمال نفسها، وللشخص نفسه، والذي يظهر أن في بعض الأحوال توزن الأعمال، كما هو صريح معظم النصوص، وفي بعضها توزن الصحائف، كما في حديث البطاقة، وفي بعضها يوزن الشخص نفسه، كما في حديث: "يجاء بالرجل العظيم، فلا يزن عند الله جناح بعوضة"، والله تعالى أعلم.

والمراد بحبّة الخردل هنا ما زاد من الأعمال على أصل التوحيد؛ لقوله في الرواية الأخرى: "أخرجوا من قال: لا إله إلا الله، وعَمِلَ من الخير ما يَزِنُ ذَرّة" (٢). (فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرَجُونَ) بالبناء للمفعول (مِنْهَا) أي من النار (حُمَمًا) بضمّ الحاء المهملة، وفتح الميم المخفّفة، وهو الْفَحْم (قَدِ امْتَحَشُوا) بفتح التاء، مبنيًّا للفاعل، على المختار، وقيل: بضمّها، مبنيًّا للمفعول، ومعناه: احتَرَقُوا (فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَاة، أَوِ الْحَيَا) بالشك، وقد تبيّن الشاكّ في رواية البخاريّ في "الإيمان" حيث قال: "شكّ مالك"، و"الحيا" مقصور، وهو المطر، سُمّي حيًّا؛ لأنه تحيا به الأرض، ولذلك هذا الماء يحيا به هؤلاء المحترقون، وتَحْدُث فيهم النضارة، كما يحدُث ذلك بالمطر في الأرض.

ووقع في رواية غير كريمة في البخاريّ بلفظ "الحياء" بالمدّ، قال في "الفتح": كذا في هذه الرواية بالمدّ، ولكريمة وغيرها بالقصر، وبه جزم الخطابيّ، وعليه المعنى؛ لأن المراد: كلُّ ما تَحْصُل به الحياة، والحيا بالقصر


(١) "عمدة القاري" ١/ ٢٧٢.
(٢) راجع: "الفتح" ١/ ٩٢.