للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثم هدد -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وخوّف، فقال: ({إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (٨)})؛ أي: المرجع، والرجعى، والمرجع والرجوع مصادر، يقال: رجع إليه مرجعًا، ورجوعًا، ورُجْعى، وتقدّم الجار والمجرور للقصر؛ أي: الرجعى إليه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لا إلى غيره.

({أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (١٠)}) قال المفسرون: الذي ينهى: أبو جهل، والمراد بالعبد: محمد -صلى الله عليه وسلم-، وفيه تقبيح لصُنعه، وتشنيع لفعله، حتى كأنه بحيث يراه كل من تتأتى منه الرؤية. ({أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (١١)})؛ يعني: العبد المنهيّ إذا صلى، وهو محمد -صلى الله عليه وسلم-، ({أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (١٢)})؛ أي: بالإخلاص، والتوحيد، والعمل الصالح الذي تُتَّقَى به النار، ({أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) يعني: أَبَا جَهْلٍ) فإنه كذّب بما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتولى عن الإيمان، والعناية يَحْتَمِل أن تكون من أبي هريرة -رضي الله عنه-، أو ممن دونه، والله تعالى أعلم.

وقوله: {أَرَأَيْتَ} في الثلاثة المواضع بمعنى أخبرني؛ لأن الرؤية لمّا كانت سببًا للإخبار عن المرئي أجرى الاستفهام عنها مجرى الاستفهام عن متعلقها، والخطاب لكل من يصلح له.

وقد ذكر هنا: {أَرَأَيْتَ} ثلاث مرات، وصرَّح بعد الثالثة منها بجملة استفهامية، فتكون في موضع المفعول الثاني لها، ومفعولها الأوّل محذوف، وهو ضمير يعود على {الَّذِي يَنْهَى} الواقع مفعولًا أوّل لـ {أَرَأَيْتَ} الأولى، ومفعول {أَرَأَيْتَ} الأُولى الثاني محذوف، وهو جملة استفهامية؛ كالجملة الواقعة بعد {أَرَأَيْتَ} الثانية، وأما {أَرَأَيْتَ} الثانية فلم يُذكر لها مفعول لا أوّل، ولا ثانٍ، حذف الأوّل لدلالة مفعول {أَرَأَيْتَ} الثالثة عليه فقد حذف الثاني من الأُولى، والأولى من الثالثة، والاثنان من الثانية، وليس طلب كل من "رأيت" للجملة الاستفهامية على سبيل التنازع؛ لأنه يستدعي إضمارًا، والجمل لا تُضمر، إنما تُضمر المفردات، وإنما ذلك من باب الحذف للدلالة، وأما جواب الشرط المذكور مع {أَرَأَيْتَ} في الموضعين الآخرين؛ فهو محذوف تقديره: إن كان على الهدى، أو أمر بالتقوى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (١٤)}، وإنما حُذف لدلالة ذِكره في جواب الشرط الثاني.

وقيل: {أَرَأَيْتَ} الأُولى مفعولها الأوّل الموصول، ومفعولها الثاني