للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أبو طالب، والد عليّ -رضي الله عنه-. (لَوْ كَانَتْ لَكَ الدُّنْيَا، وَمَا فِيهَا، أَكنْتَ مُفْتَدِيًا بِهَا؟) بالفاء من الافتداء، وهو خلاص نفسه مما وقع فيه بدفع ما يملكه، وهذا إلماح لقوله تعالى: {لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ} [الرعد: ١٨]. (فَيَقُولُ) الرجل الأهون عذابًا: (نَعَمْ) كنت مفتديًا به، قال في "الفتح" بعد أن أورده بلفظ: "يؤتى بالرجل من أهل النار، فيقال: يا ابن آدم كيف وجدت مضجعك؟ فيقول: شرّ مضجع، فيقال له: هل تفتدي بقُراب الأرض ذهبًا، فيقول: نعم يا رب، فيقال له: كذبت"، قال: ظاهر سياقه أن ذلك يقع للكافر بعد أن يدخل النار، ويَحْتَمِل أن يراد بالمضجع هنا: مضجعه في القبر، فيلتئم مع الروايات الأخرى. انتهى (١).

(فَيَقُولُ) الله -عَزَّ وَجَلَّ-: (قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا) وفي نسخة: "ما هو أهون من هذا"، وفي رواية: "فيقال: قد سئلت أيسر من ذلك"، وفي رواية: "فيقال: كذبت، قد سئلت أيسر من ذلك"، قال النوويّ: المراد بـ "أردت" في الرواية الأُولى: طلبت منك، وأمرتك، وقد أوضحه في الروايتين الأخيرتين، بقوله: "قد سئلت أيسر" فيتعيّن تأويل "أردت" على ذلك؛ جمعًا بين الروايات؛ لأنه يستحيل عند أهل الحق أن يريد الله تعالى شيئًا، فلا يقع، ومذهب أهل الحقّ أن الله تعالى مريد لجميع الكائنات، خيرها، وشرّها، ومنها الإيمان والكفر، فهو -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مريد لإيمان المؤمن، ومريد لكفر الكافر؛ خلافًا للمعتزلة في قولهم: إنه أراد إيمان الكافر، ولم يُرِد كفره، تعالى الله عن قولهم الباطل، فإنه يلزم من قولهم إثبات العجز في حقه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وأنه وقع في ملكه مما لم يُرِده، وأما هذا الحديث فقد بيّنّا تأويله، وأما قوله: "فيقال له: كذبت"، فالظاهر أن معناه: أن يقال له: لو رددناك إلى الدنيا، وكانت لك كلها، أكنت تفتدي بها؟ فيقول: نعم، فيقال له: كذبت، قد سئلت أيسر من ذلك، فأبَيْت، ويكون هذا من معنى قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: ٢٨]، ولا بدّ من هذا التأويل؛ ليُجْمَع بينه وبين قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ


(١) "الفتح" ١٥/ ٦٢.