للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وثابت ألزم الناس لأنس -رضي الله عنه-، لزمه أربعين سنة، وفيه أنس -رضي الله عنه- أخدم الناس لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن المكثرين السبعة، وآخر من مات من الصحابة -رضي الله عنهم- بالبصرة.

شرح الحديث:

(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) -رضي الله عنه-؛ أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يُؤْتَى) بالبناء للمفعول؛ أي: يُحضر (بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا) الباء للتعدية؛ أي: بأشدّهم تنعمًا، وأكثرهم ظلمًا؛ لقوله: (مِنْ أَهْلِ النَّارِ) "من" بيانية، والجارّ والمجرور في محل حال. (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ظرف لـ "يؤتى(فَيُصْبَغُ) بالبناء للمفعول؛ أي: يُغمس (فِي النَّارِ صَبْغَةً) بالفتح؛ أي: غمسة؛ إطلاقًا للملزوم على اللازم، فإن الصبغ إنما يكون بالغمس غالبًا، وفي "النهاية أي: يُغمس في النار غمسة كما يُغمس الثوب في الصبغ، (ثُمَّ يُقَالُ) له: (يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا)؛ أي: نعمةً (قَطُّ؟)؛ أي: فيما مضى من زمانك، (هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟)؛ أي: في زمان من الأزمنة، وفي رواية عبد بن حميد: "فيقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: يا ابن آدم هل رأيت خيرًا قط، أو قرة عين قط؟ فيقول: لا وعزتك"، وفي الكلام مبالغة لا تخفى، حيث أوقع الاستفهام على مجرد الرؤية، والمرور، دون الذوق، والتمتع، والسرور (١). (فَيَقُولُ: لَا)؛ أي: ما رأيت قط (والله يَا رَبِّ) نفيٌ مؤكدٌ بالقسم، والنداء في الجواب؛ لِما أنْسَتْه شدّة العذاب ما مضى عليه من نعيم الدنيا، أو ما بعده من النعيم نظرًا إلى مآله، وسوء حاله، فأيّ نعيم آخره الجحيم، وأيّ شدّة مآلها الجنة، كما قال: (وَيُؤْتَى) بالبناء للمفعول أيضًا، (بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا) بضمّ الموحّدة؛ أي: شدةً، ومشقّةً، ومحنةً؛ لِمَا كان فيه من فاقة، وحاجة، وبليّة، وقال في "المشارق": قوله: "هل رأيت بؤسًا قط"، ينوّن، ولا ينوّن، والرواية بالتنوين. انتهى (٢). (فِي الدُّنْيَا)؛ أي: أوّلًا، (مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)؛ أي: مآلًا، (فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ)؛ أي: في أنهارها، أو الكوثر منها، (فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟، فَيَقُولُ: لَا والله يَا رَبِّ،


(١) "مرقاة المفاتيح" ١٠/ ٣٣٨.
(٢) "مشارق الأنوار" ١/ ٧٥.