للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"قال: كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، فقال: إن مثل المؤمن كمثل شجرة، لا تسقط لها أنملة، أتدرون ما هي؟ قالوا: لا، قال: هى النخلة، لا تسقط لها أنملة، ولا تسقط لمؤمن دعوة".

ووقع عند البخاريّ في "الأطعمة" من طريق الأعمش، قال: حدّثني مجاهد، عن ابن عمر: "قال: بينا نحن عند النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إذ أُتي بجمّار، فقال: إن من الشجر لَمَا بركته كبركة المسلم"، وهذا أعمّ من الذي قبله، وبَرَكة النخلة موجودة في جميع أجزائها، مستمرّة في جميع أحوالها، فمن حين تطلع إلى أن تيبس تؤكل أنواعًا، ثم بعد ذلك يُنتفع بجميع أجزائها، حتى النوى في علف الدواب، والليف في الحبال، وغير ذلك، مما لا يخفى، وكذلك بركة المسلم عامة في جميع الأحوال، ونفعه مستمرّ له ولغيره، حتى بعد موته. (فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ ")؛ أيّ شيء هذه الشجرة؟، قال ابن عمر: (فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وقع في بعض النسخ: "البوادي وفي بعضها: "البواد" بحذف الياء، وهي لغة. انتهى.

والمعنى: ذهبت أفكارهم في أشجار البادية، فجعل كلّ منهم يفسرها بنوع من الأنواع، وذَهِلوا عن النخلة، يقال: وقع الطائر على الشجرة: إذا نزل عليها. (قَالَ عَبْدُ اللهِ) بن عمر -رضي الله عنهما- (وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا)؛ أي: الشجرة المسؤول عنها، (النَّخْلَةُ) بيَّن أبو عوانة في "صحيحه" من طريق مجاهد، عن ابن عمر وجه ذلك، قال: "فظننت أنها النخلة، من أجل الْجُمّار الذي أُتى به"، وفيه إشارة إلى أن الْمُلْغَزَ له ينبغي أن يتفطن لقرائن الأحوال الواقعة عند السؤال، وأن الْمُلْغِز ينبغي له أن لا يبالغ في التعمية، بحيث لا يجعل للمُلْغَز له بابًا يدخل منه، بل كلما قربه كان أوقع في نفس سامعه (١). (فَاسْتَحْيَيْتُ) زاد في رواية مجاهد التالية: "قال ابن عمر: وأُلقي في نفسي، أو رُوعي أنها النخلة، فجعلت أريد أن أقولها، فإذا أسنان القوم، فأهاب أن أتكلّم وفي رواية نافع الأخيرة: "قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، لَا يَتَكَلَّمَانِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، أَوْ أَقُولَ شَيْئًا، فَقَالَ عُمَرُ: لأَنْ تَكُونَ


(١) "الفتح" ١/ ٢٦٠ - ٢٦١، "كتاب العلم" رقم (٦١).