كون الجمع مذكورًا قبله؛ إشعارًا بأن ذلك قول كل واحد منهم، لا أن طائفة تكلموا، وطائفة سكتوا؛ إذ الكلام من كل واحد أدلّ على حصول الرضى (١).
(وَأَيُّ شَيءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟) الذي أعطيتنا، (فَيَقُولُ) -عز وجل-: (أُحِلُّ) بضم أوله، وكسر الحاء المهملة؛ أي: أُنزل (عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي) بكسر أوله، وضمه؛ أي: رضاي، ورضاه سبب كل سعادة، وقال القاضي عياض في "المشارق": "أُحلّ عليكم" أُنزل بكم، والرضوان بكسر الراء وضمها، قُرئ بهما في السبع.
وفيه أن النعيم الحاصل لأهل الجنة لا يزيد على رضى الله -سبحانه وتعالى-.
وفي حديث جابر "قال: رضواني أكبر"، وفيه تلميح بقوله تعالى:{وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ}[التوبة: ٧٢]؛ لأن رضاه سبب كل فوز وسعادة، وكل من عَلِم أن سيده راضٍ عنه كان أقرّ لعينه، وأطيب لقلبه من كل نعيم؛ لِمَا في ذلك من التعظيم والتكريم. (فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ)؛ أي: بعد إحلال الرضوان (أَبَدًا") مفهومه أن الله تعالى لا يسخط على أهل الجنة؛ لأنه متفضل عليهم بالإنعام كلها دنيوية وأخروية، فظاهر الحديث أن الرضى أفضل من اللقاء.
وأجيب بأنه لم يقل: أفضل من كلّ، بل أفضل من الإعطاء، واللقاء يستلزم الرضا، فهو من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم، وفيه أن السعادة الروحانية أفضل من الجسمانية، ونِعْمة للمؤمنين عظيمة، وهي سماع كلام رب العالمين، وأعظم منه خطابهم إياه بتقريره نِعَمه عليهم، وتعريفه إياهم فَضله لديهم، وأن رضا الله تعالى أفضل نعيم الجنة، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٣/ ٧١١٣](٢٨٢٩)، و (البخاريّ) في "الرقاق" (٦٥٤٩) و"التوحيد" (٧٥١٨)، و (الترمذيّ) في "صفة الجنّة" (٢٥٥٥)،