وتُعقِّب بأن الجنة لا حزن فيها البتة، وما وقع في رواية ابن حبان أنهم يطّلعون خائفين إنما هو توهّم لا يستقرّ، ولا يلزم من زيادة الفرح ثبوت الحزن، بل التعبير بالزيادة إشارة إلى أن الفرح لم يزل، كما أن أهل النار يزداد حزنهم، ولم يكن عندهم فرح إلا مجرد التوهم الذي لم يستقرّ.
قال الجامع عفا الله عنه: ثم استمرّ الحافظ في نقل هذا الأقوال الضعيفة، المخالفة لحديث الباب وغيره، والحقّ أن الحديث على ظاهره، لا يحتاج إلى التأويل، فالموت يُؤتى به، ويُذبح ذبحًا حقيقيًّا يراه كلا الفريقين، فالموت وإن كان عَرَضًا، فالله تعالى قادر على أن يحوّله جسمًا حيًّا، فقد ثبت في "صحيح مسلم" حديث: "أن البقرة وآل عمران يجيئان كأنهما غمامتان. . ." الحديث، ونحو ذلك من الأدلّة كثير، فلا تستغرب ذلك في قدرة الله تعالى، وكن قويّ الإيمان، صحيح العقيدة، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
٣ - (ومنها): بيان عدم فناء الجنّة والنار؛ لقوله:"خلود ولا موت"، وغيره من نصوص الكتاب والسُّنَّة، قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وفي هذه الأحاديث التصريح بأن خلود أهل النار فيها لا إلى غاية أمد، وإقامتهم فيها على الدوام بلا موت، ولا حياة نافعة، ولا راحة، كما قال تعالى:{لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا}[فاطر: ٣٦]، وقال تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (٢٢)} [الحج: ٢٢]، قال: فمن زعم أنهم يخرجون منها، وأنها تبقى خالية، أو أنها تفنى، وتزول، فهو خارج عن مقتضى ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأجمع عليه أهل السُّنَّة.
قال الحافظ: جَمَع بعض المتأخرين في هذه المسألة سبعة أقوال:
أحدها: هذا الذي نُقل فيه الإجماع.
والثاني: يعذَّبون فيها إلى أن تنقلب طبيعتهم، فتصير نارية، حتى يتلذذوا بها لموافقة طبعهم، وهذا قول بعض من يُنسب إلى التصوف من الزنادقة.
والثالث: يدخلها قوم، ويخلفهم آخرون، كما ثبت في "الصحيح" عن اليهود، وقد أكذبهم الله تعالى بقوله:{وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}[البقرة: ١٦٧].
والرابع: يخرجون منها، وتستمر هي على حالها.
والخامس: تفنى؛ لأنها حادثة، وكل حادث يفنى، وهو قول الجهمية.